صفقة مشبوهة؟.. حزب الله يزيل ركام الحرب "بملابس مدنية"
كشفت تقارير إعلامية، نقلت عنها صحيفة فايننشال تايمز، عن دخول "اتحاد بلديات الضاحية"، التابع سياسياً لحزب الله، على خط إزالة الركام في العاصمة اللبنانية بيروت، في خطوة تعكس استمرار نفوذ الحزب بعد الحرب المدمّرة الأخيرة مع إسرائيل، رغم الانتقادات الداخلية والدولية.
وبحسب محاضر حكومية، حصل الاتحاد على ملايين الدولارات من الأموال العامة لتولي تقييم الأضرار وإزالة الركام في الضاحية الجنوبية، أكثر المناطق تضرراً في العاصمة. لكن، وبعد أشهر من انتهاء الحرب التي سبّبت أضراراً مادية تقدر بـ6.8 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي، لم تُنشر العقود المتعلقة بهذه العملية، ما يثير تساؤلات حول الشفافية.
ورغم أن الوجهة المقررة لنقل الركام كانت مكب "كوستا برافا"، إلا أن الكميات الكبرى منه تُلقى حالياً في موقع يملكه الاتحاد، يقع قرب مدارج مطار بيروت الدولي، ما يثير مخاوف بيئية وأمنية.
الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام، والتي تولّت السلطة في يناير الماضي، تواجه ضغوطاً من الداخل والخارج لتعزيز الشفافية والحد من نفوذ حزب الله في مؤسسات الدولة.
ويقول مراقبون إن "اتحاد بلديات الضاحية" يعمل تحت إشراف مباشر من القيادة السياسية للحزب، ويدير مراكزه الدفاعية والصحية بالتعاون مع مؤسسات صحية تابعة له، كما هو موضح على موقعه الرسمي.
ويخشى معارضو حزب الله من أن يسهم دوره في عملية إعادة الإعمار في ترسيخ نفوذه السياسي مجدداً، خصوصاً بعد الهزيمة التي تلقاها في الحرب الأخيرة. ويرون في هذا السيناريو تكراراً لما حدث بعد حرب 2006 حين لعب الحزب دوراً مركزياً في إعادة إعمار الضاحية، ما ساعده على تعزيز حضوره الشعبي والسياسي.
وقال رياض الأسعد، وهو مقاول مخضرم من جنوب لبنان، إن "السماح لأطراف قريبة من حزب الله بالتحكّم في تقييم الأضرار سيعزز التبعية السياسية لهم"، متهماً الحزب بالسعي إلى "إخضاع الناس وتحويلهم إلى زبائن دائمين له".
وتقدّر الأمم المتحدة حجم الركام الناتج عن الحرب الإسرائيلية بـ10 ملايين متر مكعب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما خلّفته حرب 2006.
الدمار تركز في الضاحية الجنوبية لبيروت، وجنوب لبنان، وسهل البقاع، وهي مناطق تُعد معاقل تقليدية لحزب الله وحليفه "حركة أمل". وفي ديسمبر الماضي، خصّصت الحكومة اللبنانية 10 ملايين دولار لاتحاد بلديات الضاحية لإزالة الركام في تلك المناطق.
وبحسب وثائق اطّلعت عليها فايننشال تايمز، أصدر الاتحاد مناقصة مفتوحة، لكنه لم ينتظر المدة القانونية المنصوص عليها في قانون الشراء العام، وسرعان ما أقرّ في يناير عقداً مباشراً مع أدنى مزايد، وهي شركة "البنيان"، التي قدمت سعراً قدره 3.65 دولار للمتر المكعب، وهو رقم وصفه مقاولون آخرون بأنه غير واقعي.
ورغم التزام الاتحاد قانونياً بنشر تفاصيل العقود، إلا أنها لم تُعلن حتى الآن، كما تجاهل رئيس الاتحاد محاولات متكررة للرد على اتصالات واستفسارات الصحيفة.
من جانبه، نفى علي الموسوي، مدير العمليات في شركة "البنيان"، وجود أي تواصل مباشر مع حزب الله، مؤكداً التنسيق فقط مع الاتحاد، ومشيراً إلى أن فرز وبيع الحديد المستخرج من الركام سيساعدهم على تغطية التكاليف.
وفي موقع الاتحاد قرب مطار بيروت، تُشاهد تلال من الركام مختلطة ببقايا ملابس ومخلفات أخرى، ما أثار قلقاً بيئياً واسعاً.
دعا خبراء بيئيون وجهات مانحة إلى نقل الركام إلى مواقع آمنة لفرزه وإعادة تدويره، محذرين من أن الإلقاء العشوائي يهدد البيئة
وقال المهندس إيلي منصور، المسؤول عن قياس كميات الركام ضمن فريق الأمم المتحدة: "كل شاحنة يجب أن تكون مجهزة بجهاز GPS وحساس لقياس الكميات. وإلا، سينتهي الأمر بكل شيء في مواقع غير معلومة".
المخصصات المالية غير كافية
شركة "البنيان" تؤكد أن الركام سينقل في نهاية المطاف إلى مكب كوستا برافا، لكن إدارة المكب تقول إن لا ضمانات لذلك. وتعترف وزيرة البيئة تمارا زين بصعوبة الوضع، مشيرة إلى أن المخصصات المالية الحكومية غير كافية لاحترام المعايير البيئية بشكل كامل.
وقالت زين إن تنفيذ المرحلة الثانية من العملية، التي تتضمن نقل الركام إلى مواقع نهائية وإعادة تدويره، سيكون مرهوناً بالحصول على قرض من البنك الدولي. وأضافت: "علينا أن نكون واقعيين. ما الأفضل؟ ترك الركام بين الناس، أم نقله إلى مكان معزول؟".