سيناريوهات رد إيران.. "سم المفاوضات" أو تصعيد وخلايا نائمة؟
بعد أكثر من ثلاثة عقود على قبوله "كأس السم" لإنهاء الحرب مع العراق عام 1988، يقف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي اليوم أمام قرار مشابه. في تلك اللحظة، اختار سلفه الخميني، وقف إطلاق النار رغم مرارته، حفاظًا على بقاء الدولة الوليدة، بحسب قوله، أما خامنئي، الذي يحكم منذ عام 1989، فقد لا يسلك الطريق نفسه، وفق تقرير
لصحيفة نيويورك تايمز.
في سن الـ٨٦، وبعد سنوات من بناء نفوذ إقليمي واسع وبرنامج نووي طموح، قد يفضّل خامنئي "الموت والمواجهة على القبول بما يعتبره إذلالًا أميركيًا وإسرائيليًا"، بحسب ما تقول الصحيفة. ولكن ما هي السيناريوهات التي قد تسلكها إيران في هذه الظروف؟
ردّ فعل طهران الأول جاء قويًا. فقد أعلنت وزارة الخارجية أن "طهران مصممة على الدفاع عن أراضيها وسيادتها وشعبها بكل الوسائل". وردًا على الضربات الأميركية التي استهدفت مواقع نووية، أطلقت إيران وابلًا من الصواريخ على إسرائيل، وهددت باستهداف المصالح الأميركية.
لكن الحاسم الآن هو ما إذا كان الرد الإيراني سيتحوّل إلى حملة مطوّلة، أو يكتفي بإثبات "عدم الاستسلام" أمام الداخل الإيراني. في هذه الحالة، قد يعود خامنئي إلى طاولة المفاوضات.
ففي عام 2020، وبعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني بأمر من ترامب، ردّت إيران بهجوم صاروخي على قواعد أميركية في العراق، ثم توقفت، خشية الانزلاق إلى حرب شاملة.
سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز "تشاتام هاوس" البريطاني، ترى أن طهران تملك حزمة خيارات تجمع بين التصعيد والحذر. من بينها:
- الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
- طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- استهداف قواعد أميركية جرى إخلاؤها.
- تفعيل الحوثيين لمهاجمة السفن الأميركية في البحر الأحمر.
وقالت فاكيل: "بهذا تمزج إيران بين إبراز القوة وتفادي التصعيد الكامل". وأشارت إلى أن ترامب، رغم قراره بالضرب، أظهر هو الآخر بعض ضبط النفس، إذ حصر العملية في ثلاث منشآت نووية، وتجنّب استهداف قيادات أو قواعد عسكرية.
لكن خامنئي لا يثق بترامب، خاصة بعد انسحاب الأخير الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018. وتتساءل فاكيل: "حتى لو أُبرم اتفاق جديد، هل يمكن الوثوق بأن ترامب سيرفع العقوبات؟ وهل سيكون هناك توافق مع إسرائيل؟".
وكنوع من التهديد والضغط، كشفت
تقارير أن إيران هددت بتفعيل "خلايا نائمة" داخل الولايات المتحدة في حال تعرضها لهجوم أميركي.
ونقلت شبكة NBC عن مصادر مطلعة أن طهران بعثت برسالة إلى ترامب قبل أيام من تنفيذ الضربات الأميركية، تحذّره فيها من أنها ستمنح الضوء الأخضر لتلك الخلايا إذا ما أقدمت واشنطن على مهاجمة إيران.
وتسلّم ترامب الرسالة عبر وسيط خلال قمة مجموعة السبع (G7) التي عُقدت في كندا الأسبوع الماضي. لكنه قال لاحقًا للصحفيين إنه "ليس في مزاج للتفاوض مع إيران".
"إيران لا تتوقع الانتصار"
إيلي جيرانمايه، خبيرة إيران في "مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي"، تؤكد أن طهران كانت تتوقع الضربة، واستعدت لسلسلة ردود، تبدأ بتكثيف الهجمات على إسرائيل. وتقول: "محاولات ترامب لرسم حدود واضحة ستفشل". وتضيف: "إيران لا تتوقع الانتصار، لكنها تريد التأكد من أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستخسران أيضًا".
مصير اليورانيوم.. تسريع إنتاج القنبلة؟
لا يزال حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية غير واضح، كما لا يُعرف موقع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية. ويعتقد خبراء أن إيران أخفت المخزون في مواقع لا يمكن لمفتشي الوكالة الدولية الوصول إليها.
وقالت الوكالة يوم الأحد إنها لم ترصد أي تسرب إشعاعي، وهو ما يرجح أن المخزونات لم تُصب.
فاليري نصر، أستاذ في جامعة جونز هوبكنز ومؤلف كتاب "الاستراتيجية الكبرى لإيران"، يقول إن هذا سبب كافٍ لبقاء إيران ضمن معاهدة حظر الانتشار النووي وتحت رقابة الوكالة الدولية.
ويضيف: "الصراع بدأ للتو، ولا ينتهي بحركة واحدة... الدرس الأهم هو أن الردع الحقيقي بالنسبة لإيران لا يتحقق إلا بامتلاك قنبلة نووية". ويؤكد أن الصواريخ والوكلاء لم يحموا البلاد.
وترى جيرانمايه أن المفارقة الكبرى تكمن هنا: "ترامب أراد القضاء على التهديد النووي الإيراني، لكنه جعل تحول إيران إلى دولة نووية أكثر احتمالًا".
رغم التصعيد، ترى جيرانمايه أن هناك فرصة للدبلوماسية. وتقول: "بعد أسبوع من العنف، قد تستفيق طهران وواشنطن وتقرران التراجع".
لكن ماثيو كرونيغ من "المجلس الأطلسي" يشكك في ذلك. وقال إن "الضرر الكبير الذي أصاب البرنامج النووي الإيراني قد يردع طهران عن إعادة البناء. لقد أنفقت إيران مليارات الدولارات لعقود، وجنت في النهاية العقوبات وحربًا مدمّرة مع أقوى دولة في العالم. لماذا تكرار هذا السيناريو؟".