إيران والنووي.. رحلة الشك من الشاه إلى الاتفاق
هل تسعى إيران إلى امتلاك السلاح النووي؟ يؤرق هذا السؤال الذي شكّل السبب المعلن للضربات الإسرائيلية والأميركية على إيران، الأوساط السياسية الغربية منذ عقود، بينما تشدد طهران على الطابع السلمي لأنشطتها.
في ما يلي أبرز المحطات التي مرّ بها البرنامج النووي منذ نشأته حتى الإعلان عن وقف إطلاق النار بعد يومين من قصف الولايات المتحدة الأحد منشآت نطنز وأصفهان وفوردو.
البداية في الخمسينات مع شاه إيران
تعود أسس البرنامج النووي الإيراني الى أواخر الخمسينات من القرن المنصرم عندما وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية تعاون مع الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان حليفا للغرب.
في العام 1970، صادقت إيران على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي تُلزم الدول الموقّعة عليها بكشف موادها النووية ووضعها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
لكن الكشف مطلع القرن الحالي عن مواقع سرية في إيران أثار القلق. وتحدثت الوكالة في تقرير صدر في العام 2011 عن "معلومات موثوقة" بأن إيران قامت بأنشطة مرتبطة بتطوير جهاز تفجير نووي في إطار "برنامج منظّم" للاستخدام العسكري قبل 2003.
بعد أزمة استمرّت 12 عاما ومفاوضات شاقة على مدى 21 شهرا، تمّ في 14 يوليو 2015، التوصل إلى اتفاق تاريخي في فيينا بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى ألمانيا.
ودخل الاتفاق المعروف رسميا بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، حيز التنفيذ في مطلع 2016، وأثار آمال الإيرانيين بخروج بلادهم من عزلتها الدولية.
وقدّم الاتفاق لطهران تخفيفا للعقوبات الدولية المفروضة عليها، مقابل قيود صارمة على برنامجها النووي.
لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام 2018 انسحاب بلاده بشكل أحادي من الاتفاق، وإعادة فرض عقوبات صارمة على طهران.
يقول كليمان تيرم، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية "رصانة" ومقره في السعودية لوكالة فرانس برس، إن الانسحاب الأميركي أدّى إلى فكّ تدريجي لالتزام إيران ببنود الاتفاق النووي.
أضاف "شرعت البلاد ردا على ذلك، في استراتيجية تصعيدية" بهدف الضغط على الدول الأطراف الأخرى لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات. لكن كان ذلك دون جدوى وبتكلفة "اقتصادية باهظة".
وفي منشأتَي نظنز وفوردو اللتين استهدفتهما ضربات أميركية الأحد، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم حتى 60٪، وهي نسبة أعلى بكثير من السقف الذي حدده اتفاق 2015 والبالغ 3.67٪، علما بأن النسبة ما زالت أقل من 90٪ المطلوبة لتطوير رأس حربية نووية.
وكانت إيران رفعت نسبة التخصيب بداية الى 5٪، ولاحقا إلى 20% ثم 60% في العام 2021.
ونصّ اتفاق 2015 على أن يكون الحدّ الأقصى لمخزون إيران الإجمالي من اليورانيوم المخصّب 202.8 كلغ، غير أن المخزون الحالي يُقدّر بـ45 مرة أكثر.
وفي صيف 2022، فشلت مفاوضات في فيينا بين طهران والأوروبيين في إحياء الاتفاق، وقلّصت إيران من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في مطلع 2025، استأنفت المفاوضات النووية في أبريل بين واشنطن وطهران بوساطة سلطنة عمان.
لكن في حين أكّد الرئيس الأميركي "قرب" التوصل إلى اتفاق "جيد"، وتمّ تحديد موعد جولة سادسة من المفاوضات، شنت إسرائيل هجوما واسعا على عدوتها اللدود اعتبارا من 13 يونيو، شمل خصوصا مواقع عسكرية ونووية.
وكالة الطاقة الذرية تخشى من تصنيع 9 قنابل
وفي مواجهة تنامي البرنامج النووي الإيراني، أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن "قلقها الشديد" في تقرير أصدرته في نهاية مايو.
وقالت إن إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تُخصّب اليورانيوم بنسبة 60%، وتمتلك مخزونا يسمح لها نظريا بتصنيع أكثر من 9 قنابل.
ويستحيل حاليا معرفة ما إذا كانت الضربات الإسرائيلية والأميركية قد قضت على هذا المخزون.
وأكد المدير العام للوكالة الدولية رافايل غروسي في مقابلة مع محطة CNN الأميركية هذا الأسبوع أن منظمته لم تورد في تقريرها الأخير "أي دليل" يشير إلى أن إيران تعمل حاليا على تطوير سلاح نووي، علما أنها عملية تتطلب خطوات معقّدة عديدة.
نقلت وكالة مهر للأنباء عن محمد إسلامي رئيس البرنامج النووي الإيراني قوله اليوم الثلاثاء إن إيران تقيم الأضرار التي لحقت بصناعتها النووية واتخذت الترتيبات لإصلاحها. وقال إسلامي "الخطة هي منع توقف عملية الإنتاج والخدمات".
وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الثلاثاء إنه راسل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي واقترح عقد اجتماع معه، وحثه على التعاون بعد إعلان وقف إطلاق النار.
وذكر غروسي في منشور على إكس أن استئناف إيران التعاون مع الوكالة قد يؤدي إلى حل دبلوماسي للجدل الدائر منذ فترة طويلة حول برنامجها النووي.
ولطالما أكّدت طهران سلمية برنامجها وطابعه المدني. وتستند كذلك إلى فتوى من المرشد الإيراني علي خامنئي، يحرّم فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل.
مع ذلك، طرح مسؤولون إيرانيون بشكل علني في السنوات الماضية، أسئلة عن صوابية امتلاك مثل هذه الأسلحة في سياق التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط.