مكالمة سرية إيرانية "عنوانها النووي" تربك واشنطن
كشفت اتصالات مسرّبة بين مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الأميركية، أن الضربات العسكرية التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد منشآت البرنامج النووي الإيراني هذا الشهر "كانت أقل تدميرًا مما كان متوقعًا"، وفقًا لأربعة مصادر أميركية مطلعة على معلومات استخبارية، بحسب واشنطن بوست.
الاتصالات، التي كانت خاصة وغير معدّة للنشر، أظهرت تساؤلات إيرانية حول السبب الذي جعل الضربات، رغم شدتها، أقل تدميرًا من السيناريوهات التي توقعتها طهران.
لكن الإدارة الأميركية سارعت إلى رفض هذا التقييم الإيراني، مؤكدة أن ما جرى في العمق الإيراني لم يكن أقل من "سحق كامل" للبرنامج النووي، كما وصفه ترامب.
وفيما لم تنكر إدارة ترامب وجود هذه الاتصالات، التي لم يُكشف عنها سابقًا، فإنها قللت من أهميتها، ووصفتها بأنها "تقديرات غير دقيقة صادرة عن مسؤولين إيرانيين لا يدركون حجم الدمار تحت مئات الأقدام من الأنقاض"، بحسب ما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت. وأضافت: "برنامجهم النووي انتهى".
يرى محللون للصحيفة أن الضربات الأميركية استخدمت قوة نارية هائلة، بما في ذلك قنابل خارقة للتحصينات زنة 30 ألف رطل، وصواريخ كروز من طراز توماهوك، واستهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية.
إلا أن مدى الدمار والزمن اللازم لإعادة بناء هذه المنشآت لا يزالان محل جدل. وتشير تقارير إلى أن إيران ربما نقلت مخزوناتها من اليورانيوم المخصب قبل الضربة، وأن الانفجارات أغلقت مداخل منشأتين لكن دون تدمير البنية التحتية التحت أرضية بالكامل.
أحد مسؤولي إدارة ترامب علّق على التسريبات قائلاً: "الإيرانيون مخطئون، لقد دمّرنا منشأة تحويل المعادن، ونعلم أن أسلحتنا أصابت أهدافها بدقة وحققت الأثر المطلوب".
وخلال إحاطات سرية للكونغرس الأسبوع الماضي، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) جون راتكليف إن منشآت رئيسية، منها منشأة تحويل المعادن الضرورية لبناء النواة المتفجرة للقنبلة النووية، "دُمّرت بالكامل" وستحتاج إيران إلى سنوات لإعادة بنائها.
كما أضاف أن "الجزء الأكبر من اليورانيوم المخصب" الإيراني بات مدفونًا في موقعي أصفهان وفوردو.
مسؤول رفيع في الاستخبارات الأميركية شدد على أن "جزءاً واحداً من إشارات الاتصالات لا يعكس الصورة الكاملة"، وأن التقييم الاستخباراتي الحقيقي يتطلب "أدلة متعددة المصادر والأساليب".
وأشار إلى أن التنصت على مكالمات أو رسائل إلكترونية، رغم أهميته، لا يوفر دائمًا سياقًا كافيًا، ويجب أن يُدمج مع معلومات أخرى لبناء صورة دقيقة.
ترامب غاضب والبيت الأبيض يهاجم الإعلام
الرئيس ترامب عبّر عن غضبه من التقارير التي شككت في فعالية الضربات. وكتب على منصته "تروث سوشيال": "الديمقراطيون هم من سرّبوا المعلومات، ويجب ملاحقتهم قضائيًا".
وجاءت تصريحاته في ردّ على تقييم أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، أفاد بأن الضربة ربما أبطأت البرنامج النووي الإيراني لأشهر فقط، وليس لسنوات.
وفي مقابلة مسجلة مع قناة فوكس نيوز، قلّل ترامب من احتمالية أن إيران كانت قد نقلت اليورانيوم قبل الهجوم، قائلاً: "لا أعتقد أنهم فعلوا. الأمر صعب وخطير جدًا. لم يكونوا يعلمون أننا سنهاجم حتى اللحظة الأخيرة".
في الكونغرس، لا تزال الخلافات قائمة بشأن فعالية الضربات. السناتور الديمقراطي كريس ميرفي قال للصحفيين: "الرئيس ضلل الجمهور عندما قال إن البرنامج دُمّر. لا يزال هناك قدر كبير من القدرات والمعدات موجودة".
في المقابل، قال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المقرّب من ترامب، إن كلمة "سحق" كانت مناسبة لوصف ما جرى، لكنه اعترف بأن إيران يمكن أن تستعيد قدراتها. وأضاف: "السؤال الحقيقي: هل دمرنا رغبتهم في امتلاك سلاح نووي؟".
هل ما زالت الفرصة متاحة للدبلوماسية؟
بعض المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن الضربة لا تُغلق الباب أمام الاتفاق الدبلوماسي، بل قد تزيد من فرصه.
وأعلن ترامب يوم الأربعاء أن مسؤولين أميركيين وإيرانيين سيلتقون هذا الأسبوع لبحث اتفاق نووي محتمل. لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سارع إلى نفي ذلك.
وقال عراقجي إن تأثير الضربة "لم يكن بسيطًا"، وإن طهران بصدد إعادة تقييم واقع برنامجها النووي، وهو ما سيحدد موقفها في المفاوضات المقبلة.