مجزرة خلف أبواب الطوارئ.. طبيبة بريطانية توثق "جحيم غزة"
في صباح الأول من يونيو، وبينما كانت تستعد لمغادرة غزة بعد ٣ أسابيع من التطوع الطبي، فتحت الدكتورة فيكتوريا روز هاتفها لترى خبرًا عاجلًا: "مجزرة جديدة بالقرب من نقطة توزيع مساعدات غذائية، حيث سقط العشرات بين قتيل وجريح".
الدكتورة روز، جرّاحة تجميل بريطانية تبلغ من العمر 53 عامًا، جاءت من لندن إلى غزة ضمن بعثة طبية صغيرة تعمل في مناطق الأزمات حول العالم. لكنها تعترف: "لم أرَ هذا الحجم ولا هذه الكثافة من الإصابات في حياتي"، بحسب ما قالت
لصحيفة نيويورك تايمز.
من داخل غرفة طوارئ مستشفى ناصر، آخر المستشفيات الكبرى التي لا تزال تعمل جنوبي القطاع، وصفت ما رأته ذلك الصباح: "كانت سيارات الإسعاف تنقل الجثث تباعًا، بل حتى العربات التي تجرها الحمير كانت تأتي بجثث الموتى.. وبحلول العاشرة صباحًا، كنا قد استقبلنا نحو 20 جثة، وأكثر من مئة إصابة بطلق ناري".
على مدار 21 يوما في مستشفى ناصر، عاينت روز إصابات وصفتها بـ"المروعة"، خصوصًا لدى الأطفال. تقول: "لم تكن جروح شظايا، بل كانت أجسادهم ممزقة، أطفال بأقدام مفقودة، وأيادٍ مبتورة، وركب ممسوحة".
وتتابع بصوت متعب: "وصلنا إلى مرحلة أصبح الناس فيها على استعداد للموت مقابل كيس أرز أو كيس معكرونة".
وفي ظل غياب الصحافة الأجنبية عن غزة منذ بدء الحرب أصبح الأطباء المتطوعون مثلها من الشهود النادرين على حجم الكارثة.
وتؤكد روز أن كل المرضى الذين استقبلتهم يوم المجزرة قالوا إنهم أصيبوا برصاص أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات الغذائية. الكثير منهم أُصيب في الظهر أو في البطن. أحدهم قال لها: "أطلقوا النار علينا كإجراء للسيطرة على الحشود".
في إحدى صورها التي نشرتها على حسابها في إنستغرام، ظهرت الدكتورة روز إلى جانب امرأة فلسطينية تحمل طفلتها "مريم"، الهزيلة من شدة الجوع. لم تعش مريم طويلًا بعد تلك الصورة. تقول الطبيبة: "مريم توفيت بسبب سوء التغذية. لم يكن هناك مضادات حيوية، ولا غذاء، ولا مناعة".
وفي مقطع آخر، تظهر الدكتورة وهي تمسح بيدها على جسد صغير مغطى بالضمادات. الطفل اسمه "حاتم"، عمره ثلاث سنوات. تقول أمام الكاميرا: "تعرض لحروق تغطي 35٪ من جسده، حروق كبيرة جدًا لطفل صغير كهذا".
لكن حاتم نجا، وتم إجلاؤه لاحقًا من غزة لاستكمال علاجه.
جراح لا تندمل.. وقلوب باقية هناك
عادت الدكتورة روز إلى لندن في الثالث من يونيو، وتقول: "لست مصدومة.. لكنني ما زلت هناك، جزء مني ما زال في غزة".
تُشير إلى زملائها الفلسطينيين الذين لا يزالون داخل المستشفيات يعملون بلا توقف:
إنهم الأبطال، أناس رائعون يضحون بكل شيء لإنقاذ الأرواح".
منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 57 ألف فلسطيني، بينهم آلاف الأطفال، وفق وزارة الصحة في القطاع، ومنذ بداية نظام المساعدات الجديد قُتل أكثر من 700 فلسطيني وأُصيب الآلاف أثناء محاولتهم الوصول إلى الطعام.
وسط كل ذلك، تؤكد روز أن المعاناة الإنسانية لا يمكن اختزالها بالأرقام أو التصريحات الرسمية.
وتوضح أن سوء التغذية، ونقص الأدوية، والحصار، تجعل حتى الإصابات القابلة للعلاج تنتهي بالموت.
"لم أكن مستعدة لهذا الجحيم"
عملت روز طوال 30 عامًا كجرّاحة تجميلية، متخصصة في إعادة ترميم الثدي لمرضى السرطان. وسبق لها أن تعاملت مع إصابات ناتجة عن حوادث الطرق وإطلاق النار. لكنها تعترف: "كل خبرتي السابقة لم تجهزني لما رأيته في غزة. لم أرَ هذا الحجم من الألم في حياتي".
في واحدة من آخر تدويناتها من غزة، كتبت: "يا لهم من فريق! أناس رائعون يعملون بكل طاقتهم لمساعدة المحتاجين.. إنهم الأبطال".