إعدامات وانتقام ونزوح.. شهادات مروعة من السويداء
بعد يومين من القتال العنيف الذي اندلع الأحد، بدا الغموض سيد الموقف، إذ تصاعدت أعمدة الدخان وسمعت أصوات الرصاص المتقطع في الأحياء السكنية لمدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، حيث تحدث سكان احتموا داخل منازلهم، عن انتهاكات رافقت دخول القوات الحكومية والمجموعات الحليفة لها الثلاثاء، شملت "إعدامات ميدانية" وحرائق متعمدة وعمليات نهب للمنازل والمحلات.
ورغم الإدانات والاستنكارات الرسمية السورية، التي صدر آخرها عن الرئاسة، سجلت العديد من الانتهاكات التي وثقها المرصد السوري وصحفيين ميدانيين وشهود عيان.
وفي مشهد تكرر في مناطق سورية أخرى منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر، رافقت القوات الحكومية، فصائل مقاتلة غير معروفة، ارتكبت انتهاكات بحق السكان وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
القوات السورية متهمة "بإعدامات ميدانية"
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن 21 مدنيا درزيا "أعدموا ميدانيا برصاص عناصر وزارتي الدفاع والداخلية" بينهم 12 مدنيا دزريا "عقب اقتحام مضافة آل رضوان في مدينة السويداء".
وأظهر مقطع مصوّر انتشر على منصات التواصل الاجتماعي 10 أشخاص على الأقل يرتدون ملابس مدنية مضرجين بالدماء داخل المضافة، طرح بعضهم أرضا وآخرون على أرائك، وبجانبهم صور لمشايخ دروز ملقاة على الأرض وأثاث مخرّب ومبعثر.
وأفاد المرصد كذلك بإقدام مجموعة مسلحة قال إنها تابعة للقوات الحكومية على إعدام "4 مدنيين دروزا بينهم امرأة في مضافة آل مظلومة بقرية الثعلة" في ريف السويداء.
أحد سكان السويداء قال لوكالة فرانس برس عبر الهاتف، طالبا عدم الكشف عن اسمه "أنا في وسط السويداء، أصوات إطلاق النار والاشتباكات مستمرة".
بدوره قال رئيس تحرير منصة السويداء 24 المحلية ريان معروف "دخلت القوات الحكومية المدينة بحجة إعادة الأمن لكنها للأسف مارست أعمالا وحشية".
وأضاف "هناك حالات تصفية لعشرات المدنيين، لكن لا تتوافر لدينا أرقام دقيقة"، محمّلا المسؤولية "للقوات الحكومية".
وتحدّث أحد السكان عن "حالات نهب وسرقة وقتل وإعدامات ميدانية وحرق لمحال تجارية ومنازل، وهناك عشرات المخطوفين من المدنيين لا نعرف عنهم شيئا" مع دخول القوات الحكومية.
ونقل عن صديق له يقطن في جزء آخر من المدينة قوله إن مسلحين "اقتحموا منزله وحرقوه بالكامل بعد أن طردوا أهله منه وصادروا هواتفهم المحمولة".
وأظهرت مشاهد بثتها وكالة فرانس برس أعمدة دخان متصاعدة من مبان ومنازل في المدينة التي يقطنها نحو 150 ألف شخص.
وأكد شاهد آخر من السويداء، طلب بدوره عدم الكشف عن هويته، أنه شاهد "عناصر مدنية مسلحة يسرقون المحلات المجاورة ويحرقونها مع إطلاق نار عشوائي".
وأضاف "أخاف الخروج من المنزل خشية ان يتم التعرض لي أو قتلي أو سرقتي، كان يجب علي الهروب قبل أن يصلوا وأخشى أن يكون قد فات الأوان".
وبعد يومين من المعارك، أعلنت القوات الحكومية تدخّلها في المحافظة لفضّ الاشتباكات، لكن بحسب المرصد وشهود وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو.

عنصر من القوات السورية في السويداء. AFP
وعدا عن الـ21 شخصا الذين وثّق المرصد مقتلهم برصاص قوات الأمن، أعلن المرصد مقتل 71 درزيا، غالبيتهم مقاتلون إضافة إلى امرأتين وطفلين، مقابل 93 من القوات الحكومية، و18 من البدو.
عودة الاشتباكات بعد وقف النار
فعلى الرغم من إعلان وزير الدفاع مرهف أبو قصرة وقفا تاما لإطلاق النار في المدينة قال إنه تم التوصل إليه بالاتفاق مع وجهائها من رجال الدين الدروز، دارت اشتباكات بعد دخول قوات الأمن المدينة صباح الثلاثاء مع مقاتلين من الدروز.
ومساء الثلاثاء أعلنت وزارة الداخلية السورية في بيان أن الاشتباكات "لا تزال مستمرة في بعض أحياء" السويداء، لافتة إلى أن تفاهمات كان تم التوصل إليها مع رجال دين ووجهاء في المدينة "سرعان ما تعرضت للخرق".
دمرت أرتال المقاتلين التي استقدمت للسويداء تماثيل عدة في ساحات المدينة، بينها ساحة رئيسة يرتفع فيها تمثال لشخصية درزية بارزة.
وفرّ آلاف السكان، بعضهم إلى مناطق قريبة من الحدود الأردنية، وفق ما أفاد ريان معروف.
وقالت حنان، وهي طالبة جامعية خشيت من ذكر اسمها كاملا " نزحنا انا وعائلتي باتجاه بلدة الشهبا، لم نأخذ شيئا من اغراضنا، حملنا ما نستطيع حمله لكن أرواحنا أهم من كل شيء".

دبابة للقوات السورية في السويداء. AFP
الرئاسة السورية: منع أي شكل من أشكال التجاوز
من جهتها، أكدت الرئاسة السورية في بيان على "ضرورة التزام كافة الجهات العامة والخاصة المدنية والعسكرية بمنع أي شكل من أشكال التجاوز أو الانتهاك تحت أي مبرر كان".
وكلفت "الجهات الرقابية والتنفيذية المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية الفورية بحق كل من يُثبت تجاوزه أو إساءته مهما كانت رتبته أو موقعه".
واعتبر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك الثلاثاء، أن الاشتباكات الأخيرة في جنوب سوريا "مقلقة"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن العمل جار من أجل "التهدئة".

مقاتلة إسرائيلية في سماء السويداء. AFP
وقال براك في منشور على منصة إكس "نحن منخرطون بشكل فعّال مع جميع المكوّنات في سوريا بهدف التوجّه نحو التهدئة".
وأضاف أن الاشتباكات الأخيرة في السويداء مقلقة لجميع الأطراف، مؤكدا بأن واشنطن تحاول "الوصول إلى نتيجة سلمية وشاملة للدروز، والقبائل البدوية، والحكومة السورية، والقوات الإسرائيلية".