رصاص وفقر دم.. صناديق "غزة الإنسانية" تغذّي "الجوع الخفي"
آلاف تجمعوا للحصول على بعض الطعام، الرصاص حولهم، يتوقون لهذا الصندوق الذي يحوي مواد غذائية تسد رمقهم وتنقذهم من شبح الجوع.
قد تمتلئ المعدة، لكن ما ينعكس على أجسادهم لا يساوي شيئا، فربما تنقذهم المواد الغذائية من الجوع لكن فقر الدم والعناصر اللازمة لنمو الأطفال معدومة، وهذا هو ما كشفه تحقيق أجرته بي بي سي حول ما تحويه صناديق الطعام التي توفرها مؤسسة "غزة الإنسانية".
في الجانب الآخر، فإن عمليات قتل منتظري الطعام أمام مراكز المؤسسة المدعومة من أميركا وإسرائيل مستمرة في غزة برصاص الجيش الإسرائيلي لتتجاوز 800 قتيل خلال الأسابيع الأخيرة.
تداولت مقاطع فيديو عبر الإنترنت تظهر فلسطينيين يعرضون محتويات الصناديق، لكن المؤسسة لم تشارك صورًا لها إلا هذا الأسبوع، وقد حوت وفق
بي بي سي الآتي:
- مواد غذائية مجففة تتطلب ماءً ووقودًا للطهي، بما في ذلك المعكرونة، الحمص، العدس، ودقيق القمح.
- زيت الطبخ.
- الملح.
- الطحينية (معجون السمسم).
- ألواح الحلاوة الطحينية.
وفق "غزة الإنسانية" وبي بي سي فإن الصندوق النموذجي على 42,500 سعرة حرارية، ويكفي "لإطعام 5.5 أشخاص لمدة 3.5 أيام".
وأحيانًا تحتوي الصناديق على عناصر بديلة مثل الشاي والبسكويت والشوكولاتة، كما يتم توصيل البطاطس والبصل، لكن لم تُدرج هذه المواد ضمن الحسابات الغذائية، حسب ما قالت المؤسسة التي قدمت جدولا يحتوي على ما وصفته بـ"القائمة المعيارية" للهيئة البريطانية.
بتحليل الجدول، تبين أنها تحوي "نواقص خطيرة" رغم إمكانية توفيرها السعرات الحرارية اللازمة للبقاء.
في هذا الصدد، قال أستاذ التنمية الدولية في كلية لندن للاقتصاد البروفيسور ستيوارت جوردون: "في جوهره، هذا السلة توفر معدة ممتلئة ولكن نظامًا غذائيًا فارغًا". وأضاف: "أكبر عيب هو ما هو مفقود... هذه سلة غذاء طارئة، مصممة لوقف النزيف الناتج عن الجوع الحاد".
وأضاف أن "اتباع نظام غذائي كهذا لأسبوع أو أكثر سيؤدي إلى 'جوع خفي'، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض مثل فقر الدم والأسقربوط (نقص فيتامين C)".
من جانبه، قال الدكتور أندرو سيل، أستاذ مشارك في التغذية الدولية في جامعة كوليدج لندن، إن صناديق الغذاء تفتقر إلى الكالسيوم والحديد والزنك والفيتامينات C وD وB12 وK. وأضاف أن الطعام لا يلبي احتياجات الأطفال الصغار.
حتى أولئك الذين يتمكنون من الحصول على صندوق غذاء، لا يزالون بحاجة إلى الماء والوقود لطهي المواد المجففة، رغم أزمة المياه الحادة والنقص الحاد في الوقود الذي تعاني منه غزة.
وقد حذّرت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) هذا الأسبوع من أن أزمة المياه في غزة تتدهور بسرعة. كما حذّرت من أن العائلات اضطرت لاستخدام وسائل طهي غير آمنة وغير صحية، مثل استخدام النفايات كوقود.
كشف ضابط سابق في القوات الخاصة الأميركية، عن سبب استقالته من عمله مع مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية.
وقال أنتوني أغيلار ل
بي بي سي إنه شهد إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي على حشود من الفلسطينيين.
وأضاف أنه لم يشهد طوال مسيرته المهنية هذا المستوى من "الوحشية واستخدام القوة العشوائية وغير الضرورية ضد سكان مدنيين، غير مسلحين ويتضورون جوعًا."
وقُتل أكثر من 800 شخص في الأسابيع القليلة الماضية في أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، معظمهم في عمليات إطلاق نار جماعي من جنود إسرائيليين متمركزين قرب مراكز توزيع تابعة لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة.
وترفض الأمم المتحدة نظام عمل هذه المؤسسة وتعده غير آمن بطبيعته ويمثل انتهاكا لمبادئ الحياد الإنساني اللازمة لضمان نجاح التوزيع.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الوضع الذي يعيشه سكان القطاع الفلسطيني، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، بأنه "عرض رعب".
أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الجمعة أن ربع أطفال غزة بين سن الستة أشهر والخمس سنوات والنساء الحوامل والمرضعات الذين قصدوا عياداتها للمعاينة الأسبوع الماضي، كانوا يعانون سوء التغذية.
من جانبه، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الجمعة أن حوالى ثلث سكان القطاع "لا يأكلون لأيام"، مشيرا إلى تزايد سوء التغذية بشكل كبير.
وأفاد في بيان ورد وكالة فرانس برس بأن "الأزمة الغذائية في غزة بلغت مستويات من اليأس غير مسبوقة" مؤكدا أن "حوالى شخص من أصل ثلاثة لا يأكل لأيام. سوء التغذية في تزايد حاد حيث أن تسعين ألف امرأة وطفل بحاجة عاجلة إلى العلاج".
وقالت كارولين ويلمن، منسقة المشاريع في عيادة أطباء بلا حدود في مدينة غزة، إن الطاقم الصحي يسجل الآن "25 حالة جديدة من سوء التغذية يوميا".