شاحنات بلا هوية وسائقون أجانب.. من يدير قوافل "غزة الإنسانية"؟
تحوّل فندق في كيبوتس بجنوب إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى مسكن لسائقي شاحنات أجانب قدموا إلى إسرائيل من عدة دول من أوروبا الشرقية، بعد أن وُعدوا بفرصة مالية تُمكّنهم من كسب أجور أعلى بكثير مما كانوا يحصلون عليه في بلدانهم.
ووفق تحقيق لصحيفة "هآرتس" فإن السائقين يضطرون إلى القيام برحلة يومية، وأحيانًا رحلتين، من معبر كرم أبو سالم الحدودي إلى نقاط توزيع الغذاء داخل قطاع غزة، لكسب عيشهم.
أما من يقف وراء جلب هؤلاء السائقين، ومعظمهم من جورجيا وصربيا، وهي بلدان لا توجد مع إسرائيل اتفاقيات عمل ثنائية، فهي شركة أركيل الأميركية.
الشركة معروفة في مجال البناء والخدمات اللوجستية تعمل كمقاول فرعي لمؤسسة غزة الإنسانية، حسبما علمت صحيفة "هآرتس".
فماذا في كواليس العقود المبرمة؟
تُشغّل مؤسسة غزة الإنسانية التي تُدير 4 مراكز لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، 3 شركات على الأقل كمقاولين من الباطن:
- الأولى هي UG Solutions، التي شاركت في وقت سابق من هذا العام في تأمين ممر نتساريم خلال صفقة احتجاز رهائن، وتتولى الآن الجوانب الأمنية في مواقع توزيع المساعدات.
- والثانية هي Safe Reach Solutions، وهي شركة لوجستية وعملياتية.
- أما الشركة الثالثة، Arkel International، فهي مسؤولة عن الجانب اللوجستي لعمليات توزيع المساعدات.
ووفقًا لأوراق تأسيس الشركة في إسرائيل، فإن ممثلها المُعتمد في البلاد هو هزي بتسلئيل، رجل أعمال إسرائيلي توسط سابقًا في صفقات دفاعية في أفريقيا. وتدّعي الشركة أنه لا يشارك في عملياتها، بل ساعد فقط في تأسيسها في إسرائيل.

جندي إسرائيلي يحرس موقعا للمساعدات الإغاثية. AP
"أنا سائق شاحنة في جورجيا"، الدولة الواقعة في شرق أوروبا. قال سائق شاحنة يبلغ من العمر 32 عامًا، متزوج وأب لطفلة، لصحيفة هآرتس: "عرض عليّ مديري القدوم إلى إسرائيل عبر وسيط، وقال إنه من الممكن أن أكسب ضعف الراتب، أو حتى أكثر".
وعندما سُئل عن الجهة التي جلبته إلى إسرائيل ومن يدفع راتبه، قال: "شركة أركيل هي من جلبتنا إلى هنا. هم من يدفعون رواتبنا، وقد أُبرم العقد معهم، عملنا هو المغادرة صباحًا في قافلة من الشاحنات ودخول غزة، يرافقنا الجيش الإسرائيلي إلى منطقة التوزيع، نصل مع الشاحنات، ويُفرّغونها لنا في الموقع، ثم نغادر فورًا. أحيانًا تكون هناك رحلتان من هذا النوع يوميًا".
"فندق كيبوتس" وخطط العودة
يقيم السائقون في كيبوتس جنوب إسرائيل، قال سائق من صربيا: "نبقى في الكيبوتس طوال اليوم، إلا عند توصيل البضائع إلى غزة. كنا نرغب بشدة في السفر إلى القدس والناصرة، لكن لا يُسمح لنا بالتجول في الخارج كثيرًا، وحتى الآن، لم ننظم مثل هذه الرحلة".
يشير السائقون إلى أنهم يكسبون حوالي 4 آلاف شيكل، 1070 دولارًا، شهريًا، وهو ما يزيد عن متوسط الأجور في بلدانهم الأصلية.
يقول أحدهم: "العمل ليس خطيرًا حقًا. نحن لا نوزع الطعام. عادةً ما نغادر غزة فور تفريغ الحمولة، هناك الكثير من الانفجارات وإطلاق النار طوال الوقت، لكنها ليست موجهة ضدنا، فنحن في أمان بشكل عام".
قال معظم السائقين الذين تحدثوا إلى صحيفة "هآرتس" إن عقودهم تنتهي الشهر المقبل. هذا ومن المفترض أن يغادر جميع العاملين في سبتمبر، ومن غير الواضح ما إذا كانوا سيمددون العقود أم سيستعينون بأشخاص آخرين ليحلوا مكانهم، وفق قولهم.
وصرّح أحد المسؤولين هذا الأسبوع بأن السائقين قد يعودوا إلى بلدانهما خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لأن هذه القوافل إلى غزة قد تصبح غير ضرورية، كما قال أحد السائقين.
"أركيل" الأميركية من رواندا إلى إسرائيل
كجزء من مشروع "مؤسسة غزة الإنسانية"، جلبت أركيل عشرات العمال الأجانب إلى إسرائيل، بمن فيهم بعض سائقي الشاحنات من أوروبا الشرقية. شركة أركيل مسجلة في ولاية لويزيانا الأميركية منذ عام 2005، وسُجلت في إسرائيل كشركة أجنبية في 13 مايو 2025، أي قبل أسبوع من بدء مراكز توزيع مساعدات "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) عملياتها في قطاع غزة، وقبل يوم واحد من تسجيل شركة سيف ريتش سوليوشنز في إسرائيل. ويقيم أحد مسؤولي أركيل التنفيذيين على الأقل في إسرائيل منذ أكتوبر 2024.
قبل شهر على الأقل من تسجيل الشركة رسميًا في إسرائيل، كانت المناقشات جارية بشأن تأسيسها. ووفقًا لمصدر مطلع على المشروع، كان من المتوقع في البداية أن تقوم شركة أركيل ببناء مواقع التوزيع داخل غزة، ولكن في النهاية، نفذ الجيش الإسرائيلي المهمة.
وفي أوراق تأسيس شركة أركيل في إسرائيل، يُدرج اسم هزي بتسلئيل كممثل للشركة في إسرائيل، وهو رجل أعمال أسس شركة اتصالات خلوية في إسرائيل، وتوسط في صفقات دفاعية في أفريقيا، ويشغل منصب القنصل الفخري لرواندا في إسرائيل.
ووفق "هآراتس" قد منحته الشركة توكيلًا رسميًا لإدارة أعمالها في إسرائيل، وفتح حساب مصرفي للشركة وإدارته، وتعيين محامين ومحاسبين للشركة، واستلام الوثائق القانونية باسمها.
تزعم الشركة أن بتسلئيل ساعد فقط في إطلاقها في إسرائيل، بناءً على معرفة طويلة الأمد تمتد لعقود من المشاريع في أفريقيا، وأنه ليس شريكًا تجاريًا. ووفقًا لمصدر مطلع، حصل بتسلئيل على موافقة وزارة الدفاع حتى قبل افتتاح الشركة في إسرائيل.
موظف في شركة أركيل صرح لهآرتس أن الموقعين المعتمدين الوحيدين في الشركة اليوم هم الرئيس التنفيذي ومدير العمليات؛ ومع ذلك، لم يُحذف اسم بتسلئيل بعد من ملف الشركة في هيئة الشركات الإسرائيلية.
ينصب النشاط الرئيسي للشركة حاليًا على نقل البضائع من نقطة التحميل في كرم أبو سالم إلى مراكز التوزيع داخل قطاع غزة. كانت الشاحنات التي تستخدمها أركيل مملوكة لشركة الخدمات اللوجستية الإسرائيلية ميلينيوم.
وتُظهر الصور التي حصلت عليها صحيفة "هآرتس" من محيط كرم أبو سالم اسم الشركة مُمحىً بالطلاء. ووفقًا لأركيل، فقد بيعت الشاحنات لهم من قبل ميلينيوم.
بدورها قالت ميلينيوم إن الشاحنات بيعت لمورد لكنها لم تحدد هويته.
تدخل الشاحنات إلى قطاع غزة في مواكب طويلة، بدون لوحات ترخيص، ويؤمّنها موظفون من شركات مقاولات إضافية.
"أركيل" متعاقدة مع الحكومة الأميركية والجيوش والحكومات حول العالم، حيث تُدير مشاريع البناء والطاقة والخدمات اللوجستية. ووفقًا لموقع الشركة الإلكتروني، الذي لم يعد موجودًا، تعمل الشركة "حيث لا يستطيع الآخرون أو لا يرغبون في ذلك".
منذ عام 2010، مُنحت الشركة أكثر من مئة عقد بقيمة مئات الملايين من الدولارات من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين لمشاريع في العراق وأفغانستان وغيرهما. وهذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها الشركة مشروعًا مدنيًا-عسكريًا بهذا الحجم في إسرائيل.
وعلى الرغم من الانتقادات الدولية لمؤسسة غزة الإنسانية، تفخر شركة أركيل بهذا العمل، الذي تعتبره دعمًا لإسرائيل ومساعدةً في إسقاط سيطرة حماس على غزة.
وصرح مصدر في الشركة، في حديث سابق لصحيفة "هآرتس"، بأنه يعتقد أن معظم الانتقادات الموجهة للمشروع هي "أخبار كاذبة، ودعاية حماس تهدف إلى تشويه صورة إسرائيل".