من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة.. غزة تعمق عزلة إسرائيل
في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وتداعيات الحرب المستمرة في غزة، تبرز تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو كمؤشر على تحول في الخطاب الدبلوماسي الأميركي تجاه إسرائيل.
فقد أقرّ روبيو، في مقابلة تلفزيونية، بأن الصراع الدائر ينعكس سلباً على مكانة إسرائيل على الساحة الدولية، مشيراً إلى تزايد عزلتها رغم الدعم الأميركي المستمر.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تواجه فيه واشنطن ضغوطاً متزايدة لإعادة تقييم سياستها تجاه حليفتها التقليدية في المنطقة.
قال روبيو لبرنامج (فيس ذا نيشن) على سي.بي.إس نيوز "سواء كنت تعتقد أن ما حدث كان مبررا أم لا، صحيحا أم لا.. لا يمكنك تجاهل التأثير الذي تركته هذه (الحرب) على مكانة إسرائيل العالمية".
وجاءت تصريحاته ردا على سؤال بشأن تعليقات أدلى بها الرئيس دونالد ترامب للقناة 12 الإسرائيلية في مقابلة نشرت السبت قال فيها "بيبي (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) تجاوز حدود المعقول في غزة وخسرت إسرائيل الكثير من الدعم في العالم، الآن سأعيد كل هذا الدعم".
ودأبت الولايات المتحدة على مدى عقود على توفير الحماية الدبلوماسية لحليفتها إسرائيل في الأمم المتحدة.
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض 6 مرات خلال العامين المنصرمين لحماية إسرائيل في مجلس الأمن الدولي من مشاريع قرارات تتعلق بالحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس.
وجاء أحدث استخدام لحق النقض من جانب واشنطن الشهر الماضي ضد مشروع قرار في مجلس الأمن كان يطالب بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وبرفع إسرائيل جميع القيود المفروضة على إدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني.
وصوت كل أعضاء المجلس الباقون، وعددهم 14، لصالح القرار مما تسبب في عزلة للولايات المتحدة.
ومع ذلك، وافقت الولايات المتحدة الشهر الماضي على بيان صدر عن مجلس الأمن يدين الضربات التي شنتها إسرائيل في الآونة الأخيرة على العاصمة القطرية الدوحة، لكن النص لم يذكر إسرائيل بالاسم.
ماذا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
اعتمدت الجمعية العامة التي تضم 193 عضوا عدة قرارات بشأن غزة، وتجسد ذلك بصورة جلية بعد أن منعت الولايات المتحدة مجلس الأمن من اتخاذ أي إجراء بسبب استخدام حق النقض. وقد أظهرت نتائج التصويت في الجمعية العامة عزلة كبيرة لإسرائيل والولايات المتحدة.
وقرارات الجمعية العامة ليست ملزمة ولكنها تحمل ثقلا باعتبارها انعكاسا لوجهة النظر العالمية تجاه الحرب. وعلى عكس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا تتمتع أي دولة بحق النقض في الجمعية العامة.
وطالبت الجمعية العامة في الآونة الأخيرة بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في الحرب في غزة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. وأيدت 149 دولة القرار، بينما امتنعت 19 دولة عن التصويت، وصوتت الولايات المتحدة وإسرائيل و10 دول أخرى ضد القرار.
وفي أكتوبر 2023، دعت الجمعية العامة إلى هدنة إنسانية فورية في غزة بأغلبية 120 صوتا مؤيدا. وفي ديسمبر 2023، صوتت 153 دولة للمطالبة بوقف إطلاق النار على الفور لأغراض إنسانية في غزة. ثم في ديسمبر 2024، طالبت الجمعية العامة بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار وصوتت لصالح القرار بأغلبية 158 صوتا.
ما هي الإجراءات التي اتخذت بشأن حل الدولتين؟
أشار روبيو الأحد، إلى أن بعض القوى الغربية الرئيسية، فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا، قررت الاعتراف بدولة فلسطينية "بسبب طول هذه الحرب والطريقة التي سارت بها".
وعقدت فرنسا والسعودية قمة دولية في الأمم المتحدة في يوليو، أعقبتها قمة في الأمم المتحدة الشهر الماضي، في محاولة لتحديد خطوات تمهد الطريق نحو حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين.
وصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي بأغلبية ساحقة لتأييد إعلان صادر عن مؤتمر يوليو الذي حدد "خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها" نحو حل الدولتين. وحصل القرار الذي يؤيد الإعلان على 142 صوتا مؤيدا مقابل 10 أصوات معارضة، بينما امتنعت 12 دولة عن التصويت.
وأيدت الأمم المتحدة منذ فترة طويلة رؤية قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها. ويريد الفلسطينيون إقامة دولة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وكلها أراض احتلتها إسرائيل في حرب 1967 مع دول عربية مجاورة.
وتقول الولايات المتحدة إن حل الدولتين لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأعلن نتنياهو صراحة أنه لن يسمح أبدا بقيام دولة فلسطينية، على الرغم من موافقته على خطة ترامب لإنهاء حرب غزة والتي تتيح مسارا محتملا، وإن كان مشروطا للغاية، نحو قيام دولة فلسطينية.
وعن خطة الرئيس ترامب لوقف الحرب في غزة، قال روبيو إن وقت انتهاء الحرب في قطاع غزة لم يحن بعد رغم موافقة إسرائيل وحركة حماس على جوانب من خطة ترامب للقطاع.
جاء ذلك في وقت ناشد فيه سكان قطاع غزة التنفيذ السريع للخطة من أجل وضع حد لمعاناتهم.
وجددت الخطة آمال وقف الحرب بين الفلسطينيين لكن الهجمات الإسرائيلية تواصلت دون هوادة ودكت طائرات ودبابات مناطق في أنحاء القطاع.
ووقف شادي منصور وسط الدمار الذي أحدثه قصف إسرائيلي على حي التفاح في مدينة غزة، وهو ما تسبب في مقتل ابنه أمير (ست سنوات) و16 آخرين.
وقال "هل هو عضو في حماس؟ هل هو مقاتل؟ جميع أهداف الجيش الإسرائيلي هم أطفال".
وقال أحمد أسعد، وهو من النازحين في وسط القطاع، إنه شعر ببعض الأمل حينما انتشرت الأنباء عن خطة ترامب، لكن لم يتغير شيء.
وتابع قائلا "للأسف، لا ترجمة لهذا على أرض الواقع. ما فيه أي تغيير في الوضع، بل العكس، لا نعرف ما علينا فعله؟ هل نظل في الشوارع؟ هل نغادر؟".