السلام في غزة.. تفاصيل "غامضة" وأسئلة مفتوحة
يُعرف دونالد ترامب بتجنبه المبالغة في استشراف المستقبل، حتى وإن كان يعتقد، لأسباب يعتبرها مقنِعة، أنه أرسى من خلال اتفاق غزة أسس "شرق أوسط جديد".
وفيما حقق الرئيس الأميركي ما يعتبره انتصارا دبلوماسيا كبيرا خلال زيارته الخاطفة إلى إسرائيل ومصر الاثنين، بالتزامن مع إطلاق سراح الرهائن في غزة، تفادى الاستفاضة في الحديث عن العقبات الكثيرة التي تعترض طريق السلام ومستقبل الفلسطينيين.
وقال ترامب ردا على سؤال حول حل الدولتين على متن الطائرة الرئاسية التي عادت به إلى واشنطن "سأُقرر ما أراه مناسبا" لمستقبل غزة والفلسطينيين "بالتنسيق مع الدول الأخرى".
وأضاف "أنا لا أتحدّث عن دولة واحدة، أو دولة مزدوجة، أو دولتين. نحن نتحدث عن إعادة إعمار غزة"، ليرجئ بذلك هذا النقاش إلى وقت لاحق.
عند عودته إلى البيت الأبيض الثلاثاء، حضّ ترامب حماس على إعادة جميع جثث الرهائن الذين قضوا في غزة، متوعدا بـ"نزع سلاح" الحركة إذا لم تفعل ذلك من تلقاء نفسها كما تنص خطته لإنهاء الحرب.
وقّع دونالد ترامب مع قادة مصر وقطر وتركيا إعلانا بشأن غزة الاثنين التزموا فيه "السعي لتحقيق رؤية للسلام" في الشرق الأوسط، وهي وثيقة احتوت مع ذلك على مصطلحات غامضة.
وقال دبلوماسي من دولة غير موقّعة على الإعلان حضرت قمة شرم الشيخ، الثلاثاء إنّ "ما وقّعوه أمس لا يتضمّن الكثير، إذ إنه أقرب إلى إعلان نوايا، لا أحد يعلم حقا ما الخطوات التالية".
وتدعو خطة الرئيس ترامب المكونة من ٢٠ نقطة أيضا إلى إنشاء قوة أمنية دولية وهيئات جديدة للحكم في غزة تستثني حماس، وهي أمور لا تزال بحاجة إلى توضيح تفاصيلها وآليات تنفيذ.
رغم هذه التعقيدات، تُشير منى يعقوبيان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) إلى أن "الجزء السهل من نواح عدة هو ما تم إنجازه للتو"، في إشارة إلى المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
تضيف "لكن ما يتطلبه تحويل هذا الصراع إلى نموذج مختلف والتوصل إلى حل يتطلب أكثر بكثير من التفاصيل المبهمة المعروضة في الخطة".
يشاركها غيث العمري، المستشار السابق للمفاوضين الفلسطينيين في محادثات كامب ديفيد في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، التحذير نفسه قائلا "يتمتع ترامب بحسّ جيد للغاية في ما يتعلق بالتوقيت والفرص".
لكن هذا الخبير من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يقول "تراودني شكوك قوية حيال إمكان أن نرى مستوى الانخراط نفسه الذي شهدناه في الأسابيع الأخيرة".
كما يُشكك العمري في قدرة القادة الحاليين على تغيير الوضع، خصوصا الرئيس الفلسطيني محمود عباس البالغ 89 عاما والذي "فقد مصداقيته بشكل كبير"، بحسب تعبير العمري.
يكمن المجهول الكبير الآخر في كون خطة ترامب أبعد ما تكون عن خطة سلام لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي هذا الإطار، نقلت "سي ان ان" الاثنين عن باربرا ليف، نائبة وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون الشرق الأوسط في عهد جو بايدن، قولها إن ترامب تجنب الخوض في "العنصر المفقود (في النقاش)، أي كيف يمكن أن ينسجم (الاتفاق) مع الحل السياسي لدولة فلسطينية".
تشير الخطة إلى إمكان "فتح مسار موثوق لتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية، وهو ما نعترف بأنه ما يتطلع إليه الشعب الفلسطيني"، لكنها تبقى غامضة للغاية في هذا المجال.
يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة إقامة دولة فلسطينية، وقد ندد بقوة باعتراف دول كثيرة بينها فرنسا وبريطانيا أخيرا بدولة فلسطين.
أما بالنسبة للضفة الغربية المحتلة، فنادرا ما تُناقش هذه القضية.
يقول غيث العمري "سيكون تحديا كبيرا لضامني (اتفاق غزة) بأن يروا ما إذا كانوا قادرين على الحفاظ على وقف إطلاق النار، ولكن ثمة سؤال أيضا لم يُطرح حقا لأننا جميعا نركز بشكل طبيعي على غزة: هل يمكن للوضع في الضفة الغربية أن يبقى مستقرا أم سنشهد انهيارا؟".
ومع ذلك، بحسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن "تسارع بناء المستوطنات في الضفة الغربية يُشكل تهديدا وجوديا لدولة فلسطين".