مؤشرات تمرد.. الحوثيون خارج العباءة الإيرانية؟
تواجه إيران واحدة من أخطر لحظات التصدع داخل شبكة وكلائها الإقليميين، إذ تؤكد مصادر إيرانية أن الحوثيين في اليمن، آخر قوة فاعلة ضمن ما تبقى من "محور المقاومة"، لم يعودوا يتلقون الأوامر من طهران، فيما تتصرف بعض الفصائل العراقية كما لو أنها لم ترتبط يوما بإيران.
هذا الشرخ، الذي وصفته مصادر في طهران بأنه "تحول استراتيجي مؤلم"، يأتي في وقت فقدت فيه إيران معظم أذرعها بعد ضربات إسرائيل ضد حزب الله في لبنان وحماس في غزة.
وبينما يسعى الحرس الثوري إلى إعادة ترتيب الصفوف، تظهر التطورات أن اليمن يخرج تدريجيا من يد إيران، وأن أزمة داخلية تهز قيادة الحوثيين نفسها.
الحوثيون.. حليف يتمرد ويعيد تشكيل موقعه بعيدا عن إيران
تشير معلومات
ذا التلغراف إلى أن الحوثيين توقفوا عن تلقي الأوامر من طهران، وأن قياديا إيرانيا اعترف بالقول: "الحوثيون خرجوا عن السيطرة وأصبحوا متمردين بالفعل.. هم لا يستمعون لطهران كما كانوا يفعلون سابقا".
لم يكن هذا التمرد وليد اللحظة، إذ أن الهوة بين الطرفين بدأت منذ أبريل الماضي عندما رفضت إيران التدخل لإنقاذ الحوثيين خلال موجة الضربات الأميركية، خشية الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع واشنطن. ومنذ ذلك الوقت، بدأ الحوثيون بالتحرك وفق حساباتهم الخاصة، لا وفق الإيقاع الإيراني.
وبحسب تقرير
المجلة، فإن العلاقة بين الجانبين كانت دائما علاقة "عدم ثقة متبادلة"، كما أن إيران نفسها أخبرت المبعوثين الأمميين بأنها "لا تملك نفوذا مباشرا على قرار الحوثيين"، في اعتراف يعد الأكثر وضوحا بشأن حدود السيطرة.
وبالتوازي، أصبح الحوثيون أكثر استقلالا من خلال توسيع تحالفاتهم وخطوط إمدادهم بعيدا عن إيران، وفق التقرير البريطاني، في محاولة لتقليل الاعتماد على الدعم الإيراني.
وقد ساعدتهم التطورات الأخيرة على تعزيز هذا المسار حيث نجح الحوثيون في إخفاء معداتهم العسكرية بعد سنوات من الضربات الجوية، مستفيدين من تضاريس اليمن الجبلية الشبيهة بأفغانستان، والتي تسمح بإخفاء الصواريخ والطائرات المسيرة في الكهوف والأنفاق. كما عززوا نفوذهم الداخلي عبر:
- التحكم بالاقتصاد المحلي
- السيطرة على صنعاء
- طباعة العملة وجباية الضرائب
- تحويل وجهة المساعدات
- تهريب المخدرات وبيع الأسلحة لجماعات إرهابية في إفريقيا
- تعطيل الشحن الدولي في البحر الأحمر
ومع ذلك، لا تنكر التقارير استمرار التنسيق العسكري والتهريب ونقل التكنولوجيا بين طهران والحوثيين، لكن الدافع الأساسي، كما قال الدبلوماسي اليمني محمود شهرة، يبقى أيديولوجيا الحوثيين وروايتهم الخاصة، لا التعليمات الإيرانية.
لم يكن التصعيد الأخير موجها ضد إيران وحدها إذ أن الداخل الحوثي نفسه يواجه "أزمة قيادة وخيارات" بحسب
تقرير ديفانس لاين.
فبعد أن أعادت طهران إرسال القيادي الكبير في الحرس الثوري عبدالرضا شهلايي، وهو من أخطر قادة فيلق القدس والمطلوب أميركيا، إلى صنعاء، كان الهدف محاولة إعادة فرض الانضباط على الجماعة المتمردة. لكن تقرير
ديفانس لاين أشار إلى أن هذه العودة لم تحدث التأثير المطلوب بسبب معاناة الحوثيين من أزمة أولويات واستحقاقات داخلية.
في المقابل، تصف
المجلة علاقة الطرفين بأنها "معقدة" وذات تاريخ من الخداع، حيث لطالما حاول الحوثيون استخدام الدعم الإيراني دون تقديم طاعة منظمة بالمقابل، بينما كانت إيران تضخم دور الحوثيين إعلاميا وسياسيا بما يتجاوز قدرتها على ضبطهم فعليا.
وتشير هذه التطورات إلى أن الحوثيين لم يعودوا مجرد "وكيل عسكري" لطهران، بل أصبحوا حركة محلية ذات حسابات مستقلة، تقاتل لأجل مشروعها الخاص، حتى ولو تعارض ذلك مع استراتيجية إيران الإقليمية.
العراق.. فصائل تتفلت من القبضة الإيرانية وتخوض معركتها الخاصة
تؤكد المصادر الإيرانية أن بعض المجموعات العراقية لم تعد تلتزم بتعليمات طهران، إذ قال مسؤول إيراني: "طلبنا منهم عدة مرات أن يوقفوا العمليات والتدريبات ريثما تهدأ الأمور، لكنهم لا يستمعون أيضا".
لكن تقرير
RUSI ذهب أبعد من ذلك، كاشفا أن قرار الفصائل العراقية بعدم المشاركة في الحرب الإيرانية-الإسرائيلية كان في جوهره قرارا استراتيجيا محليا مينيا على الخوف من سيناريو اغتيال قياديين بعد الضربات الإسرائيلية التي قتلت قادة حزب الله وحماس وتنقلت إلى استهداف قادة الميليشيات العراقية في 2024.
اختارت الفصائل العراقية النأي بنفسها عن التصعيد الإقليمي بدافع مجموعة من الحسابات الحساسة، أبرزها تجنب تعطيل التحضير لانتخابات 2025 التي تراها فرصة لتوسيع نفوذها داخل مؤسسات الدولة، إلى جانب دعوات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لضبط النفس لمنع انجرار العراق إلى حرب قد تطيح بالاستقرار الهش.
والأهم أن طهران نفسها شجعت هذه الفصائل على عدم التدخل خشية استهداف خطوط الإمداد والمصالح الاقتصادية الحيوية لإيران في جنوب العراق، ولا سيما ميناء البصرة الاستراتيجي.
كما أشار التقرير إلى أن طهران استدعت قادة الفصائل إلى اجتماع خاص وأصدرت أوامر مباشرة بعدم التدخل في الحرب. ومع ذلك، وبعد انتهاء الحرب، شنت الفصائل هجمات داخلية ضد بنى تحتية ومنشآت نفطية في العراق، ما يؤكد أنها تتحرك وفق مصالحها الخاصة لا المصالح الإيرانية.
وفي ظل ضغط أميركي متزايد، واحتمالات فقدان التمويل، تتجه هذه المجموعات إلى ترسيخ وجودها في مؤسسات الدولة، مستخدمة الانتخابات والاقتصاد كأدوات نفوذ لا تقل أهمية عن السلاح.