اغتيال العقول.. أسرار الحرب الإسرائيلية الخفية على نووي إيران
كشف تحقيق مشترك بين صحيفة واشنطن بوست وبرنامج PBS Frontline عن تفاصيل جديدة حول ما يعرف بـ"عملية نارنيا الإسرائيلية"، حملة الاغتيال التي استهدفت كبار العلماء النوويين الإيرانيين.
يُبرز التحقيق عمليات "الاستعدادات للحرب"، حيث كان "عشرات العملاء المدربين التابعين لإسرائيل على الأرض داخل إيران، مجهزين بأسلحة متطورة، بينما كانت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي على أهبة الاستعداد لضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، ومنصات الصواريخ الباليستية والدفاعات الجوية".
يأتي هذا في الوقت الذي ذكرت فيه شبكة إن.بي.سي نيوز، السبت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيستمع إلى إفادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشير إلى أن أي توسع في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني يشكل تهديدا ربما يستدعي تحركا سريعا.
وأوضح تقرير الشبكة أن المسؤولين الإسرائيليين قلقون من قيام إيران بإعادة تشغيل مواقع تخصيب اليورانيوم التي قصفتها الولايات المتحدة في يونيو وأنهم يستعدون لإطلاع ترامب على خيارات استهداف برنامج الصواريخ مجددا.
في ذات السياق، يشير التحقيق إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة، توصلتا إلى اتفاق مبدئي حول مدى تقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي، في نفس الوقت الذي كانت الدبلوماسية تمارس خداعها لإخفاء الهجوم الوشيك عن طهران.
المسؤولون في إسرائيل أدركوا أنه لتحقيق تأثير يتجاوز الضرر المؤقت على البرنامج النووي الإيراني، لا بد من استهداف "عقول البرنامج"، أي جيل من المهندسين والفيزيائيين الإيرانيين الذين يعتقد خبراء المخابرات الإسرائيليون والأمريكيون أنهم يعملون على تحويل المواد الانشطارية إلى قنبلة ذرية.
في حوالي الساعة 3:21 فجر 13 يونيو، بدأت الأسلحة الإسرائيلية بالانقضاض على مبانٍ سكنية وشقق في العاصمة الإيرانية.. كانت عملية نارنيا، الحملة ضد كبار العلماء النوويين الإيرانيين، قد بدأت.
قُتل محمد مهدي طهرانشي، الفيزيائي وخبير المتفجرات الخاضع للعقوبات الأميركية، في شقته بالطابق السادس من مبنى يعرف باسم "مجمع الأساتذة".
وبعد ساعتين، استهدف فريدون عباسي، الفيزيائي النووي ورئيس سابق للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، في ضربة أخرى بالعاصمة.
بحسب إسرائيل، فقد تم اغتيال 11 عالمًا نوويًا إيرانيًا خلال 13 يونيو والأيام التالية.
هذه الهجمات الإسرائيلية متعددة الأوجه على البرنامج النووي الإيراني قلبت المنطقة، وأطلقت وعودًا بالانتقام الإيراني، وأدت إلى انهيار مؤقت لأي إمكانية للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي للحد من برنامج إيران النووي ووضعه تحت الرقابة الدولية الصارمة، بحسب التقرير.
التأثيرات على البرنامج النووي الإيراني
يرى مسؤولون من إسرائيل والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لتأخير يمتد لسنوات، إلا أن هذا بعيد عن ادعاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن البرنامج تم "تدميره كليًا تمامًا".
وإيران، التي تؤكد أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، لا تزال متشبثة بموقفها.
أمير طهرانشي، شقيق العالم المغتال، صرح لـFrontline بأن عمل شقيقه سيستمر، مضيفًا "مع قتل هؤلاء الأساتذة، قد يكونوا رحلوا، لكن معرفتهم لم تُفقد من بلدنا".
لعملية نارنيا، جمعت المخابرات الإسرائيلية قائمة تضم 100 من أهم العلماء النوويين الإيرانيين، ثم تم تقليص القائمة إلى نحو 12 هدفًا، وتم إعداد ملفات تفصيلية عن أعمال كل عالم، تحركاته، ومكان إقامته، مستندة إلى عقود من التجسس.
مع ذلك، لم تكن العملية خالية من الأخطاء، وتحققت واشنطن بوست وBellingcat من وقوع 71 ضحية مدنية في 5 ضربات استهدفت العلماء النوويين، بينهم 10 مدنيين في مجمع الأساتذة بالعاصمة، من بينهم رضيع عمره شهران.
سميت الحملة الأوسع على إيران بـ"الأسد الصاعد"، حيث دمرت طائرات حربية وطائرات مسيرة إسرائيلية، بالتعاون مع عملاء على الأرض، أكثر من نصف منصات الصواريخ الباليستية الإيرانية ودمرت دفاعاتها الجوية المتبقية. كما قُصفت محطات الكهرباء وأنظمة التهوية في مواقع تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو.
في الداخل الإيراني، حشدت المخابرات الإسرائيلية أكثر من 100 عميل، مزودين بأسلحة خاصة لتنفيذ ضربات دقيقة على الأهداف العسكرية، وفقًا لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى.
الدبلوماسية والخداع الإعلامي
خلصت المخابرات الأميركية والإسرائيلية إلى أن إيران كانت تعمل على تطوير سلاح نووي، رغم أن بعض التقديرات اختلفت حول قدرات العلماء الإيرانيين.
في 2023، رصدت وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن وحدة في وزارة الدفاع الإيرانية كانت تبحث طرقًا لتسريع إنتاج القنبلة النووية إذا ما تراجعت فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي ضد الأسلحة النووية.
بحلول ربيع 2025، لم تكن المخابرات الإسرائيلية متأكدة مما إذا كان خامنئي سيعلن عكس الفتوى، وما إذا كان بالإمكان اكتشاف بناء السلاح في الوقت المناسب.
خلال زيارة نتنياهو لترامب في بداية فترة رئاسته الثانية، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي ٤ سيناريوهات محتملة للهجوم على إيران، بدءًا من الهجوم الإسرائيلي المنفرد إلى التعاون الكامل بين البلدين. استمرت أشهر من التخطيط الاستراتيجي المكثف، مع الحفاظ على وهم استمرار الدبلوماسية، مما ساعد على تحريك الخطط دون إثارة الانتباه.
حتى بعد بدء الضربات، حاولت الإدارة الأميركية دفع جهود دبلوماسية أخيرة، لكنها لم تُسفر عن نتيجة قبل أن تُصرح واشنطن باستخدام القوة.
يؤكد مسؤولون أميركيون وإسرائيليون، بالإضافة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن الضرر على البرنامج النووي الإيراني كبير، لكنه لم يصل إلى التدمير الكامل.
المواقع مثل نطنز وفوردو وإصفهان تعرضت لأضرار بالغة، وتم تأجيل قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم للاستخدام العسكري لعدة سنوات.
قال علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في مقابلة مع Frontline "لا يمكن تدمير البرنامج النووي الإيراني، فبمجرد اكتشاف التقنية، لا يمكن لأحد أن يسلبنا المعرفة".