هجوم تدمر.. خلل في التجنيد؟
كشف الهجوم الذي أودى السبت بحياة ٣ أميركيين في سوريا ونفّذه عنصر في قوات الأمن الجديدة، بحسب السلطات، خللا في آلية التجنيد التي اعتمدتها منذ وصولها الى الحكم ولم تحل دون ضمّ عناصر خارجة عن سيطرتها.
ووضع الهجوم دمشق في وضع حرج على ضوء تقاربها غير المسبوق مع واشنطن وانضمامها أخيرا إلى التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، وفق محللين.
في حادثة هي الأولى من نوعها منذ وصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة بعد إطاحة بشار الأسد، قتل ٣ أميركيين السبت في تدمر (وسط)، في هجوم نسبته واشنطن ودمشق إلى تنظيم داعش، من دون أن يتبناه الأخير.
وبحسب وزارة الداخلية، فإن منفذ الهجوم انضمّ في الأشهر الأخيرة إلى صفوف قوات الأمن، وكان من المقرر فصله بسبب حمله "أفكارا تكفيرية أو متطرفة".
وكان في عداد أكثر من خمسة آلاف جُنّدوا في منطقة البادية حيث لا تزال هناك خلايا نائمة لتنظيم داعش.
بعيد إطاحة الأسد، حلّ الشرع جميع المؤسسات الأمنية والعسكرية السابقة، ونقل جهازه الأمني الصغير من إدلب إلى دمشق.
ووفق مصدر أمني أوروبي، فإن هيئة تحرير الشام رغم انقطاعها عن ماضيها إلا أنه ما زال هناك "عناصر متشددة بين المقاتلين.. قد يعارض بعضهم التحوّل من المسار العسكري إلى المسار السياسي".
ويشرح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جيروم دريفون لوكالة فرانس برس بأن السلطات بدل "اعتماد عملية تدقيق صارمة" لمن يُجنّدوا، لجأت إلى "تخفيف إجراءات التدقيق لتجنيد أكبر عدد من الأشخاص".
وبحسب دريفون، يفسّر ذلك وجود بعض المجندين "الأكثر تطرفا، والمستعدين لقتال القوات الأميركية، بسبب معارضتهم قرار الحكومة التواصل مع الدول الغربية والانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش".
ويرى الباحث المختص بالشأن السوري نانار هواش في تقرير لمجموعة الأزمات الدولية أن "ما يثير القلق" هو أن منفذ الهجوم قد لا يكون الوحيد الذي يحمل تلك الأفكار.
ويشرح "بسبب عمل السلطات بسرعة كبيرة على دمج فصائل مسلّحة متفرّقة ضمن هياكل الدولة، جاءت عمليات التدقيق والدمج والرقابة غير متكافئة، ما جعل المؤسسات الأمنية السورية المُعاد تشكيلها عرضة للاختراق".
بموازاة خلل التجنيد، استغلّ تنظيم داعش الفوضى التي توفّرت بعد إطاحة الأسد "ليخرج عناصرهم من مخابئهم في البادية ويستقروا من جديد في شمال غرب البلاد وفي دمشق"، بهدف "زعزعة السلطة"، وفق المصدر الأمني الأوروبي.
ويشرح دريفون أن "هناك خطرا حقيقي من تنظيم داعش، ويتمثّل في الطريقة التي يسعى بها إلى التمدّد داخل المدن، ومحاولاته التجنيد، واستغلال تدهور الأوضاع الاقتصادية".
ويضيف أن "هذا الخطر آخذ في التوسّع، إذ يعلن التنظيم مسؤوليته عن عدد متزايد من الهجمات".
بعد الهجوم وفي محاولة لاحتواء الموقف، أعلنت السلطات شنّ عملية أمنية بالتعاون مع التحالف الدولي ضد الخلايا النائمة التابعة للتنظيم، بحسب وزارة الداخلية مع توقيف أكثر من 11 عنصرا بحسب مصدر أمني.
ويتعيّن على الحكومة حاليا، بحسب دريفون، أن "تكثّف جهودها في العمل الاستخباراتي" لتجنّب هجمات مماثلة.
ويضيف "لذلك هم يعملون على التجنيد وتحسين التدريب، وفي المرحلة المقبلة، سيكثّفون جهودهم.. بهدف رصد وجود متطرّفين، لا ينسجمون مع توجّه الحكومة".
منذ وصوله إلى السلطة، حاول الشرع إعادة ترميم علاقة بلاده مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، أملا في أن يفتح ذلك فرصا اقتصادية أمام سوريا التي أنهكتها سنوات الحرب.
خلال زيارته إلى واشنطن في نوفمبر، انضمّت سوريا رسميا إلى التحالف الدولي الذي تأسّس عام 2014 بقيادة واشنطن لمكافحة التنظيم المتطرف، بعدما كان سيطر على مساحات شاسعة في العراق وسوريا قبل دحره تباعا من البلدين بين 2017 و2019.
بعيد الهجوم في تدمر، تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالردّ، قائلا إن الهجوم نفذه داعش "في منطقة شديدة الخطورة في سوريا، لا تسيطر عليها تماما" الحكومة السورية.
ويزيد الهجوم الضغط على الشرع في وقت يرغب بفرض سلطته على كامل التراب السوري.
ويرجّح نانار هواش أن يدفع الهجوم واشنطن إلى التفكير "بإيلاء أهمية أكبر للعمل مع قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق البلاد وتصدّت بشراسة للتنظيم حتى دحره من آخر مناطق سيطرته.
وتخوض دمشق مفاوضات مع الأكراد، بموجب اتفاق نصّ على دمج مؤسسات الادارة الذاتية ضمن الدولة من بين بنود أخرى، لم تُطبّق بعد.
ويقول دبلوماسي غربي لفرانس برس "قد يتمكّن الطرفان من تشكيل تحالف قوي لمكافحة تنظيم داعش إذا توفّرت الإرادة لدى الجانبين، وإذا حظي ذلك بدعم الدول".