فساد

تعطيك أموال مودع آخر.. "صيرفة" تودّع لبنان بغياب بديل

نشر

.

Camil Bou Rouphael

يقبض وسام، عسكري لبناني، ٢٩ عاما، راتبه من أحد المصارف بالدولار وفق سعر صرف منصة صيرفة، الذي يقارب الـ٨٥ ألفا و٥٠٠ ليرة لبنانية، ثم يبيع الدولارات القليلة التي يحصلها بالسوق الموازية وفق سعر صرف يتراوح بين الـ٩٢ ألفا و٩٤ ألف ليرة لبنان، ويجني بهذه العملية بعض الليرات اللبنانية الإضافية. وفق خبراء هذه الليرات الإضافية التي يحصلها تندرج ضمن إطار توزيع الخسائر لأنها من حق مودع آخر لا يمكنه سحب كامل وديعته بالدولار.

وسام قصة صغيرة، ضمن سلسلة من الروايات أبطالها مجموعة من التجار، تقول العديد من الأوساط إنهم حققوا الكثير من الأرباح من خلال هذه المنصة التي قال النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان، سليم شاهين، لرويترز، الإثنين، إنّ المركزي سيوقف عمل منصة الصرف المثيرة للجدل المعروفة بعض انتهاء فترة عمل الحاكم رياض سلامة التي استمرت 30 عاما في وقت لاحق من الشهر الجاري.

مصدر في مصرف لبنان، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لموقع بلينكس إنه رغم اقتراب حلول أجل نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نهاية يوليو، وإلغاء منصة صيرفة حينها، لا تزال الأمور غامضة وقيد الدرس، من دون أي طرح واقعي لمصير آلية تحديد سعر الصرف، وذلك رغم حديث شاهين عن طرح إمكانية تسعير الليرة اللبنانية يوميا بالدولار بواسطة بلومبرغ، إلا أن ذلك يقتصر على الدراسة والتصريحات للصحافة فحسب.

من جهته، قال أحد أبرز القيمين على منصة صيرفة، فضل أيضا عدم الكشف عن اسمه لأن غير مخول بالتصريح حاليا للصحافة، في حديث لموقع بلينكس، إن المنصة مستمرة بالعمل حاليا بشكل اعتيادي، وأنه لم يتم التشاور أو البحث معه في مصير المنصة تاركا الأمر "بعهدة المسؤولين الكبار الذين تحدثوا عن إلغاء المنصة من دون أي حلّ بديل".

المشترون على منصة صيرفة جنوا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار

علّة المنصة وإيجابياتها؟

تحدث العديد من الأشخاص في الفترات السابقة عن استنسابية بعض البنوك في انتقاء المستفيدين من منصة صيرفة وتفضيل التجار على حساب العديد من المواطنين الذين يودون الربح من فارق سعر الصرف بين منصة صيرفة والسوق الموازية.

وإذا كانت إيجابياتها أنها تقدم نوعا من الدعم لأصحاب الدخل المحدود الذين يربحون من فارق سعر الصرف، وأنها تضخ يوميا ملايين الدولارات في السوق وتساهم أيضا في تزويد بعض المستوردين بالدولار اللازمة للاستيراد، إلا أن العديد من الخبراء الاقتصاديين تحدثوا عن مساهمة المنصة في تنويع أسعار الصرف وعدم توحيدها لأن سعرها أقل من السوق الموازية، وأن هذا الفارق في السعر ساهم أيضا في توزيع الخسائر، حيث ربح العديد من التجار من خلال شراء دولارات بسعر أقل من السوق، وذلك على حساب المودعين.

واعتبرها الكثيرون وسيلة يمكن للبنك المركزي من خلالها الحفاظ على استقرار الليرة، لكنها واصلت التراجع على الرغم من ذلك. وانتقدت السلطات اللبنانية ومؤسسات دولية المنصة لافتقارها إلى الشفافية والاستدامة وما أوجدته من فرصة للتربح من فرق سعر العملة بين الأسواق المختلفة، خصوصا في ظلّ اتساع الفجوة بين صيرفة والسوق الموازية.

وقال البنك الدولي في تقرير: "منصة صيرفة، وهي الأداة النقدية الرئيسية لمصرف لبنان المركزي لتحقيق استقرار الليرة، ليست أداة نقدية لا تلقى شعبية فحسب، لكنها تحولت أيضا إلى آلية لجني الأرباح من خلال اختلاف سعر الصرف"، قائلا إن المشترين على منصة صيرفة ربما جنوا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق سعر الصرف.

ووصف البنك الدولي صيرفة بأنها إحدى "أضعف السياسات التي نفذتها السلطات اللبنانية منذ اندلاع الأزمة، وأنها غالبا ما أتت بنتائج عكسية".

لامس حجم التداول على منصة صيرفة الـ٢٠٠ مليون دولار في اليوم

منصة دولية جديدة؟

سليم شاهين قال إنّ قيادة المصرف تجري محادثات مع صانعي السياسات في الحكومة والبرلمان، وكذلك مع صندوق النقد الدولي، بشأن الحاجة إلى وقف العمل بمنصة صيرفة نظرا لافتقارها إلى الشفافية والحوكمة. وأورد أن "الأمر يتعلق بالطريقة التي سيتم بها الإلغاء التدريجي لصيرفة".

وشرح أن المنصة ستحلّ محلها "منصة إلكترونية لتحديد أسعار الصرف" ستتولى جهات دولية متخصصة إنشاءها. وأضاف: "نحن في مباحثات متقدمة للاختيار بين رفينيتف أو بلومبرغ". وقال شاهين إنّ نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة كانوا ضدّ منصة صيرفة.

أدّى الانهيار الاقتصادي لانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 98٪

التقلبات.. مصير الليرة اللبنانية

رأى شاهين أنّ هناك احتمالا كبيرا أن تشهد الليرة تقلبات. وقال "نفهم أنّ وقف صيرفة ربما يؤثر بالسلب على الليرة وعلى الظروف المعيشية لنسبة كبيرة من الشعب اللبناني تعتمد على الليرة وحدها". كان شاهين أبلغ رويترز في وقت سابق من الشهر الجاري أنّ نواب الحاكم الأربعة يدرسون الاستقالة من مناصبهم ما لم يتم تعيين خليفة لسلامة، وهو ما أثار احتمال أن يظلّ البنك بلا قيادة في ظلّ أزمة مالية متفاقمة.

لكنه تراجع عن ذلك التصريح الإثنين وقال إنه كان يهدف "لتنبيه الطبقة السياسية والشعب".

وأعاقت التوترات السياسية في لبنان جهود تعيين خليفة لسلامة، الذي يواجه اتهامات في الداخل والخارج باختلاس أموال عامة في لبنان. وينفي سلامة الاتهامات.

ويجري اختيار قيادة البنك المركزي في لبنان وفقا لنظام المحاصصة الطائفية الذي ينظم التعيينات في المناصب العليا في البلاد، حسب وصف رويترز. ويجب أن يكون حاكم المصرف من الطائفة المارونية في حين ينتمي نوابه الأربعة للطوائف الشيعية والسنية والدرزية والأرمنية، ويتعين موافقة الزعماء السياسيين الذين يمثلون طوائفهم على اختيارهم.

ملايين الدولارات

خلال الأيام الثلاثة الماضية، لامس حجم التداول على منصة صيرفة الـ٢٠٠ مليون دولار، ففي ١٣ يوليو بلغ حجم التداول عليها ١٩٠ مليون دولار، مع سعر صرف ٨٥ ألفا و٥٠٠ ليرة لبنانية، وفي ١٤ يوليو نفس سعر الصرف مع حجم تداول ١٥٥ مليون دولار، وفي ١٧ يوليو بلغ حجم التداول ١٠٥ ملايين دولار.

وأدّى الانهيار الاقتصادي لانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 98٪ وأنهك النظام المصرفي مما حال بين معظم المودعين ومدخراتهم.

ويقول صندوق النقد الدولي إن المصالح الشخصية في لبنان أعاقت برنامجا للإصلاح الاقتصادي من شأنه أن يمكن الدولة من الحصول على قرض بقيمة ٣ مليارات دولار من الصندوق.

تنتهي فترة عمل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 يوليو

لا تمديد لسلامة

قال مكتب رئيس حكومة تسيير الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، في ١٠ يوليو، إنه لن يُمدد لحاكم مصرف لبنان الحالي رياض سلامة في منصبه عندما تنتهي فترة عمله في وقت لاحق من هذا الشهر. وتنتهي فترة عمل سلامة في 31 يوليو. وألقت اتهامات لسلامة في الداخل والخارج باختلاس أموال عامة بظلالها على فترة ولايته الممتدة منذ 30 عاما. وينفي سلامة التهم الموجهة إليه. وقال مكتب ميقاتي في تصريح ردّا على سؤال لرويترز إنّ للمنصب قانونا ينصّ على أن النائب الأول للحاكم سيتولى مهام الحاكم حتى تعيين حاكم جديد.

وأضاف: "القانون لا ينصّ على الفراغ والمؤسسات تستكمل أعمالها من خلال نائب الحاكم الأول والنواب الباقين". وتابع في تصريحه: "أهم شيء عدم حصول شغور في المصرف المركزي لأنه العصب المالي بالبلد". وكان أحد نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة أبلغ رويترز بأنهم يفكرون في الاستقالة معا إذا لم يتم تعيين خليفة له، مما يزيد من احتمال شغور منصب الحاكم وسط أزمة مالية عميقة.

وقال نائب رئيس الوزراء، سعادة الشامي، لرويترز إن مثل هذا التهديد "خطير للغاية" وإنه يتعين على نواب الحاكم "تحمل مسؤوليتهم في حالة تعذر هذا التعيين". وتتعقد جهود إيجاد خليفة لسلامة بسبب انهيار أنظمة الحكم وتصاعد التوتر السياسي في البلاد. وعادة ما يعين رئيس البلاد حاكم مصرف لبنان المركزي، لكن مجلس النواب لم ينتخب حتى الآن خليفة للرئيس السابق ميشال عون الذي انتهت فترة رئاسته في أواخر أكتوبر.

ويحّمل العديد من اللبنانيين سلامة والنخبة الحاكمة الموجودة منذ فترة طويلة مسؤولية الانهيار المالي للبنان. ويقول سلامة إنه كبش فداء لهذا الانهيار الذي أعقب فسادا وإسرافا في إنفاق الساسة على مدى عقود. وظلّ سلامة لسنوات قريبا جدا من السلطة. ودافع ميقاتي عن سلامة في أواخر عام 2021 قائلا إن سلامة يجب أن يظل في منصبه حتى مع بدء تحقيقات معه بشأن عمليات كسب غير مشروع. وأضاف أن لا أحد يغير ضباطه في أثناء الحرب. لكن في الآونة الأخيرة، يبدو أن سلامة في عزلة متزايدة.

الاقتصاد اللبناني انكمش بالفعل بنسبة 30% تقريبا منذ عام 2017

اعرف أكثر

هل صندوق النقد مستعد لمساعدة لبنان؟

يشير صندوق إلى أنه مستعد لمساعدة لبنان وشعبه على تجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة. وللقيام بذلك، لا بد من وجود حكومة جديدة لديها الإرادة والصلاحيات المطلوبة لتنفيذ الإصلاحات الشاملة الضرورية.

والتحديات القادمة بالغة الجسامة، وفق قول الصندوق، فالتدهور المتواصل في الأوضاع الاجتماعية -لاقتصادية بلغ مستويات لا مجال لاستمرارها. والاقتصاد انكمش بالفعل بنسبة 30% تقريبا منذ عام 2017. وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من ٩٨% من قيمتها. وأصبح معدل البطالة شديد الارتفاع وأكثر من نصف الأسر يعيشون تحت خط الفقر. وبالإضافة إلى ذلك، فلا تزال الجائحة تكبد الاقتصاد والمواطنين خسائر فادحة. ونتيجة لذلك، يحتاج لبنان إلى مساعدات مالية وفنية كبيرة لتجاوز هذه الأزمة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية العميقة. والأهم من ذلك كله، فهو يحتاج إلى الشروع في إصلاحات شاملة لإعادة المالية العامة إلى مسارها الصحيح، وإعادة هيكلة الدين العام، وإعادة تأهيل النظام المصرفي، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وتحسين الحوكمة، وفق قول الصندوق.

وقع لبنان اتفاقا مع صندوق النقد في أبريل 2022

"الوضع وخيم جدا"

نهاية يونيو، قال صندوق النقد الدولي إن الانهيار الاقتصادي الذي بدأ قبل نحو أ٤ سنوات كلف العملة المحلية نحو 98٪ من قيمتها وأدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي 40٪ ودفع التضخم لمعدلات غير مسبوقة واستنزف ثلثي احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية. وجاءت هذه الأرقام كجزء من تقرير للصندوق في ختام مشاورات المادة الرابعة، وهو تقييم شامل للوضع المالي في لبنان.

وقال صندوق النقد الدولي إن ما فاقم الأزمة هو الإخفاق في اتخاذ تحركات في السياسات مطلوبة بشدة وما عرقلها هو الأزمة السياسية القائمة والمقاومة التي يلقاها تنفيذ الإصلاحات بسبب مصالح خاصة، فقد "تصاعدت حالة عدم اليقين المخيمة على الآفاق الاقتصادية التي ترتبط بخيارات السياسات المعتمدة من قبل السلطات".

وأشار تقرير الصندوق إلى أن الخبراء "أقروا بصعوبة الوضع السياسي.. وأعربوا عن أسفهم حيال الإجراءات المحدودة التي تمّ اتخاذها على مستوى السياسات للتصدي للأزمة. وأشاروا إلى المخاطر والتكلفة المتزايدة الناجمة عن مواصلة إرجاء الإجراءات اللازمة، ودعوا إلى ضرورة التنفيذ الحاسم لخطة إصلاح شاملة لحل الأزمة وتحقيق التعافي المستدام".

ووقع لبنان اتفاقا مع صندوق النقد في أبريل 2022، لكنه لم يستوف الشروط لتنفيذ برنامج تمويل كامل قيمته ٣ مليارات دولار يعتبر حاسما لتعافي البلاد من واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم.

وقال الصندوق اليوم إن إجراءات الإصلاح التي أقدم لبنان على تنفيذها حتى الآن، ومنها ميزانية 2022 وقانون السرية المصرفية ومسودة قانون ضوابط رأس المال، لا تصل إلى مستوى تنفيذ الإرشادات التي قدمها مسؤولو الصندوق للسلطات أو التوقعات التي نوقشت. وقال إرنستو ريجو رئيس بعثة الصندوق في لبنان للصحفيين إن زعماء لبنان قد يميلون لتجنب اتخاذ قرارات سياسية صعبة على أمل أن يستقر الاقتصاد دون تنفيذ إصلاحات لكن ذلك سيأتي "بثمن باهظ جدا".

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة