سوق سوداء لـ"الطوابع" في لبنان

بعد بحث مضنٍ، استطاع أحمد الحصول على طابع واحد فقط بقيمة 20 ألف ليرة لبنانية، وهو المبلغ الذي يحتاجه لإكمال معاملة كشف الحساب المصرفي. ولكن، لم يكن بإمكانه العثور على هذا الطابع في الأماكن الرسمية مثل البريد اللبناني أو Libanpost، لذا اضطر للذهاب إلى السوق السوداء، حيث أجبر على دفع مبلغ 200 ألف ليرة لبنانية للحصول عليه، وهو 10 أضعاف سعره الرسمي.

وتعرّضت نادين لحالة مشابهة أيضًا، حيث توجّهت إلى إحدى فروع "ليبان بوست" في بيروت لدفع غرامة مرورية حصلت عليها قبل أسابيع، حيث أُبلغت بأنهم لا يمتلكون طوابع، وبالتالي لم تستطع تسديد الغرامة.

لذلك، وخشية تحويل ضبط السير إلى المحكمة، حاولت نادين تأمين طابع بقيمة 50 ألف ليرة لبنانية، لكنها لم تنجح، لتشتريه أخيراً من السوق السوداء أيضاً، ولكن بقيمة 500 ألف ليرة لبنانية.

قبل تفاقم الأزمة، كانت الطوابع غير متوفرة بسبب تخفيض رسومها، ورفضت الجهات الرسمية بيعها بسعر الصرف السابق، والذي كان ألف و500 ليرة لبنانية، بينما كان السعر الفعلي 89 ألف و500 ليرة لبنانية.

لكن ارتفعت أسعار هذه الطوابع مع إقرار المجلس النيابي اللبناني للموازنة الجديدة مطلع العام الحالي، لتتناسب مع ارتفاع سعر المعاملات الرسمية مثل وثيقة زواج، وشهادة جامعية، وتسجيل عقار، وغيرها من المعاملات.

على سبيل المثال، أصدرت المديرية العامّة للأحوال الشخصية في لبنان، تعميماً عن زيادة رسم الطابع لعام 2024 بعد 4 أيام فقط من إقرار الموازنة الجديدة، وفصّلت أسعار الطوابع وفقاً لكل معاملة رسمية.

ومع ذلك، ما زالت الطوابع تباع في السوق السوداء، والحجة هذه المرة هي أن وزارة المالية لا تلبّي حاجة السوق اللبناني، حيث تكون الكميات المتوفرة قليلة جدًا، وفقًا لتصريح أحد مرخصي بيع الطوابع في لبنان لـبلينكس. وأشار المصدر إلى أن هذه الأزمة معقدة للغاية ولا يمكن تلخيصها ببضع كلمات، ملقيًا اللوم على وزير المالية، يوسف خليل.

قبل رفع أسعار الطوابع، كانت الأسواق اللبنانية بحاجة إلى 5 ملايين طابع شهرياً، وعندما ارتفعت قيمة الرسوم المسددة نقداً من 200 إلى 500 ألف ليرة، زادت حاجة الأسواق إلى 10 ملايين طابع، أي تفوق قدرة الحكومة اللبنانية على طباعتها.

لذلك، ابتدعت وزارة المالية نموذج صفحة 14، وهو عبارة عن طلب يملأه صاحب العلاقة لشراء طوابع بقيمة تفوق الـ100 ألف ليرة، أي حسب متطلبات المعاملة، حيث يُسجل المبلغ المالي في الخانة المخصصة.

بعدها، يُقدّم الطلب إلى إحدى شركات تحويل الأموال مثل OMT وLibanpost وما يشابههما، لدفع قيمة الطابع، بالإضافة إلى رسم الشركة البالغ 8 آلاف ليرة عادةً.

فيما بعد، تصدر الشركة إيصالاً بالمبلغ، ويتم ختم النسخ الثلاثة المكونة من النموذج 14، حيث تُرسل نسخة للإدارة المختصة، ونسخة لصاحب العلاقة، ونسخة للخزينة.

لكن عارض مرخّصو الطوابع هذا النموذج، معتبرينه بوابة للتهرب الضريبي والتزوير، كما أن الشركات المسؤولة عن توفير هذا النموذج تفرض رسوم إضافية على الرسم الواجب دفعه.

ويمكن الحصول على النموذج من موقع وزارة المالية الإلكتروني في قسم النماذج ضمن فئة الضرائب غير المباشرة، أو من مديرية الخزينة أو وزارة المالية.

منذ زيادة حدّ أزمة الطوابع في لبنان، والحكومة تبتدع حلولاً بديلة أشبه بترقيع المشكلة، أبرزها استيفاء قيمة الطوابع المالية بموجب إيصالات مالية تدفع لدى صناديق وزارة المالية، أو بواسطة أي مكتب معتمد من قبل وزارة المالية.

والحل الثاني، الذي لم يدخلّ حيّز التنفيذ بعد، يتمثّل بآلات الوسم وهي أكثر فاعلية، حيث يتم استخدامها لوضع علامة على المعاملة بوسيلة إشعار تثبت دفع قيمة الطابع المالي، دون الحاجة إلى لصق الطابع مباشرة.

هذه الميزة موجودة حالياً عند الكاتب بالعدل فقط، لذلك حلّ جزءً من الأزمة وبقيت الطوابع غير كافية، ورغم أنها في طور تطبيقها على سائر المؤسسات الرسمية في المستقبل القريب، إلاّ أن الموعد لم يحدد بعد.

لكن كل هذه النماذج عبارة عن حلول مؤقتة لا تفي بالغرض المطلوب، خصوصاً مع ارتفاع سعر بعض الطوابع المطلوبة لإنهاء المعاملات الرسمية من 200 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة، الأمر الذي ضاعف حاجة السوق للطوابع الورقية.

مع عدم قدرة الحكومة على تأمين التمويل اللازم لطباعة الكميات الكافية من الطوابع، تفاقمت مشكلة ندرة الطوابع وتقييدها في السوق السوداء، وفقاً لمعلومات بلينكس، التي تشير أيضاً إلى أن الكميات المتاحة حاليا من الطوابع تُحصّل بصعوبة.