هل تصبح مؤسسات لبنان من دون أبنية؟

"فور دخولي إلى قصر العدل، ألاحظ كمية التصدعات في المبنى، ناهيك عن رائحة التعفن الكريهة بسبب الرطوبة المرتفعة"، هكذا وصف عدد من المحامين رحلتهم في قصر العدل في بيروت وأيضا في بعبدا.

يوحي مبنى قصر العدل للمارة بأنه محصّن تماما، فعناصر قوى الأمن الداخلي تحده من كل مكان، ولا يمكن الدخول إلا لغاية معيّنة يُصرّح عنها عند المدخل.

لكن هذا التحصين لم يصل إلى بنيته التي تبدو هشّة، كما لا تعكس رهبة القضاء الذي أصبح عمله معلقا، تارة بسبب إضراب القضاة المفتوح، وتارة لإقفال المحاكم.

ومثله مثل مبنى وزارة الشباب، الذي يوحي مظهره الخارجي بأنه حديث، إلا أنه مهدد بخطر السقوط، نتيجة أعوام من الإهمال وعدم الصيانة، وفقا لخبراء في هذا المجال تحدثوا لبلينكس. .

الأمر وصل للجامعات أيضا، إذ قالت أستاذة في الجامعة اللبنانية، التي تضم أكثر من 80 ألف طالب، طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب قانونية، لبلينكس إنه "مع كل عاصفة شتوية تغرق الصفوف، هذا فضلا عن التعليم من دون كهرباء".

رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، أنديرا الزهيري، أشارت لبلينكس إلى أن غياب ثقافة الترميم لدى الحكومة، يعد سببا رئيسيا لسوء حالة المباني، التي لا تخضع لصيانة دورية.

إضافة إلى ذلك، يلعب العامل الزمني دورا أساسيا، إذ يعود تاريخ بناء معظم الأبنية والدوائر الرسمية إلى الفترة الممتدة من 1950 إلى 1985، وتتميز بكونها متلاصقة ببعضها. ونتيجة لذلك، فإنها غالبا لا تخضع للمرسوم الصادر عام 2005 بشأن السلامة العامة في ما يتعلق بالبناء، بحسب مصادر لبلينكس.

تنص قوانين البناء في لبنان على أن مسؤولية الصيانة والترميم تقع على عاتق أصحاب المباني. لذلك، فإن الوزارات هي المسؤولة عن الإشراف على مؤسساتها في المناطق اللبنانية كافة.

إضافة إلى ذلك فإنه في حال وقوع كارثة طبيعية، من واجب الحكومة والبلديات ترميم المباني المتصدعة. وفي حال كانت هذه المباني آيلة للسقوط، تجبر البلدية السكان على إخلاء المبنى بقوّة القانون، وفقا لزهيري.

وهذا ما أكده أيضا رئيس هيئة الشراء العام، جان عليه، في حديث مع بلينكس، مستندا إلى المادة 102 من قانون الشراء العام التي تنص على: "مسؤولية الوزارات والإدارات العامة على استدراج مناقصات للصيانة".

وعادة ما تعتمد الوزارات على شركات خاصة متخصصة في أعمال الصيانة والترميم، إذ يتعين عليها تقديم التقارير المناسبة للإدارات والوزارات المعنية، وفقا للمدة المحددة في العقود الموقعة بين الطرفين.

ولا تصل المناقصة إلى مكتب هيئة الشراء العام، إلا بعد أن تنتهي الوزارة المعنية من استدراج العروض وتكليف الشركة الفائزة.

لكن ذلك لم يحدث، إذ شدد جان عليه، على أنه لم تصل إلى مكتبه أي مناقصات بهذا الخصوص.

وعن سبب ذلك، تواصلت بلينكس مع وزير الأشغال وبعض رؤساء البلدية للاستفسار عن الحلول التي طرحتها الحكومة، لكن "لا جواب".

رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، أنديرا الزهيري، تشير إلى عدم وجود مسح رسمي من قبل الحكومة اللبنانية لتحديد عدد المباني المتهالكة أو الآيلة للسقوط.

لكن حسب مجموعة من المهندسين والفنيين من الهيئة اللبنانية للعقارات، فإن نحو 18 ألف مبنى مهدد بالسقوط في لبنان.

يرتكز العدد الأكبر في العاصمة بيروت، إذ كشف المسح "غير الرسمي" عن أكثر من 10 آلاف مبنى متصدع، معظمها في المناطق المحيطة بمرفأ بيروت الذي انفجر في 4 أغسطس 2020.

أما في عاصمة الشمال، طرابلس، فقالت البلدية في وقت سابق إن المسح الأخير أوضح أن 4 آلاف مبنى سكني وغير سكني مهددة بالانهيار، مشيرة إلى أنه لا يمكنها الترميم بمفردها، إذ تحتاج لدعم مادي من الدولة.