كابوس السوق السوداء يقلق اللبنانيين

"إذا قمت ببيع القارورة بسعر السوق، سأخسر لأن الربح الصافي هو فقط 25 ألف ليرة لبنانية (0.28 دولار). لذلك، أجد نفسي مضطرًا لرفع السعر"، بهذه الكلمات شرح أبو عبدو، صاحب دكان في حي رأس النبع في بيروت، سبب بيعه لقارورة الغاز بسعر أعلى من سعر السوق.

إن العائد من بيع كل قارورة غاز تحتوي على 10 كيلوغرامات لا يتجاوز الدولار الواحد للموزعين، بينما لا يتعدى ربح المحلات الصغيرة في الأحياء أو المتنقلين على الشاحنات الصغيرة 0.30 دولار، حسبما أفاد رئيس نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز، فريد زينون، لبلينكس.

المردود المادي للربح لم يتغير منذ بدء الأزمة الاقتصادية في 2019، المتغير الوحيد هو سعر الكيلو الواحد، وهذا يعتمد على تسعيرة وزارة الطاقة اليومية.

"صحيح أن المواطن لا يضطر إلى الانتظار لساعات في طوابير للحصول على قارورة الغاز، ولكن حصوله عليها بثمن أعلى يُعتبر بمثابة سوق سوداء" هكذا وصف زينون المحلات الصغيرة، إذ اعتبرها جزءا من سوق سوداء منظمة.

المفارقة تكمن في أن وزن القوارير غالبًا تكون أقل من 10 كيلوغرامات، ومع ذلك يتم بيعها بأسعار أعلى، وأكد زينون هذه المعلومة، مشيرًا إلى أن الوزن الصافي في معظم الدكاكين لا يتجاوز 9.5 كيلوغرامات.

وهنا يبرز دور مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد اللبنانية، إذ صرّح مصدر إداري في الوزارة لبلينكس أنهم يتابعون الشكاوى، ويحيلون المخالفات كافة إلى القضاء المختص.

لاحق شبح السوق السوداء اللبنانيين منذ بداية الأزمة الاقتصادية الأكبر في تاريخه، عام 2019. حينها، بدأت هذه الأسواق باجتياح لبنان، أولها كانت من حصة الصرافين الذين استغلوا انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وحجز المصارف لأموال المودعين بالعملة الصعبة.

فكان اللبنانيون يجتمعون منذ ساعات الصباح الباكر عند أبواب الصرافين لشراء الدولار، حتى أنه في ذروة الأزمة أقفل الصرافون أبوابهم وانتشرت ظاهرة الصرافين غير الشرعيين، ليسيطروا على السوق السوداء.

ومع توسّع أفق الأزمة، توقفت المحطات عن تزويد السيارات بالوقود، فكانت الطوابير تقفل شارع بأكملها، ونتيجة الفوضى العارمة، لجأ بعض اللبنانيين إلى السوق السوداء حيث تباع غالونات البنزين بأضعاف سعرها الفعلي.

فتراكم كل هذه الأزمات والانتظار لساعات طويلة أذلّت اللبنانيين، تجعلهم يخشون انتشار هذه الظواهر مجددا، إلا في حال توافقت وزارة الأشغال مع وزارة الطاقع لرفع الأرباح على الغاز وتفادي هذه الأزمة.

منذ بداية الأزمة الاقتصادية في نهاية عام 2019، استقرت قيمة الأرباح لموزعي الغاز عند التجار والأسواق. وبناء على ذلك، رفع الموزعون الصوت للمطالبة بزيادة قيمة الأرباح بمقدار يصل إلى 40 سنتًا لصالح الموزعين وأصحاب الدكاكين، بهدف تحقيق التوازن في ظل الارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة.

وتشمل هذه الأرباح تكاليف النقل في جميع الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى تكلفة المازوت والتعبئة وغيرها من المصاريف. ومع ذلك، يتطلب الأمر موافقة من وزارتي الطاقة والأشغال لإصدار قرار وزاري يهدف إلى رفع هذه الأرباح فعليًا، ومن ثم تطبيقها في السوق.

لذلك، قال زينون لبلينكس إنهم بصدد تحديد موعد مع الوزراء المعنيين للنظر في هذا الأمر، مع التأكيد على عدم تحميل المواطنين أي عبء إضافي. ولكن عند التواصل مع مدير مكتب وزير الأشغال، حسن شقير، أكد أنه ليس مدركًا للتفاصيل وأن هذا الموضوع يقع ضمن اختصاص وزارة الطاقة فقط.

حاول موقع بلينكس التواصل مع وزير الطاقة، وليد فياض، للاستفسار حول الخطوات التي تعتزم الوزارة اتخاذها لحل المسألة دون الحصول على رد.

عادت الذاكرة باللبنانيين إلى أزمة الوقود والأدوية بعد انتشار شائعات عن فتح سوق سوداء للغاز، حيث سيطرت هذه المآسي على حياة المواطنين بعد رفض الحكومة اللبنانية رفع الدعم عن مواد الحياة الأساسية في عام 2020، مما أدى إلى فترة صعبة عاشها اللبنانيون.

وفي هذا السياق، أكد زينون في حديثه مع بلينكس أنهم لن يلجأوا إلى الإضراب المفتوح، وسيستمرون في توزيع الغاز على التجار والمواطنين بشكل طبيعي، مشددًا على أهمية الحوار في هذه المرحلة الحساسة.

وبالنسبة لكميات الغاز المتوفرة، أكد زينون أن الغاز متوفر، ولا توجد أي أزمة قادمة، مؤكدًا وصول البواخر إلى بيروت وتفريغ حمولاتها بشكل اعتيادي. وأضاف أنه طالما أن الاستقرار الأمني مستمر، على الرغم من المناوشات في جنوب لبنان، فإن الغاز متوفر.