"حق الملح".. عادة رومانسية لم يُتفق على أصلها

تسود عادة "حق الملح" في 4 دول من منطقة المغرب العربي، وهي المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا.

وإن تشابهت تفاصيل العادة الاجتماعية وموعدها، إلا أن تسميتها يختلف من بلد لآخر، ففي تونس والجزائر تسمى "حق الملح"، وفي المغرب "التكبيرة"، أما أهل ليبيا فيسمونها "الكبيرة".

يرى مختصون في علم الاجتماع أن ما يثار عن أصل عادة "حق الملح" وهل هي عادة مغاربية أم جاءت من منطقة أخرى، بأنه مجرد روايات لا تستند لحد الآن إلى أي وثيقة تاريخية، وإنما إلى موروث شفهي.

ووفق المختصين فإن معظم الروايات تذهب إلى نسب عادة "حق الملح" إلى فترة التواجد العثماني بكل من الجزائر وتونس وليبيا الذي بدأ من الجزائر عام 1516، ومكثوا في المنطقة 3 قرون كاملة.

واستناداً إلى المختصين ذاتهم الذين قابلتهم بلينكس، فإن دارسات بالموروث التقليدي أشارت إلى نقل العثمانيين هذه العادة في القرن الـ16 إلى كل من تونس والجزائر قبل أن تنتشر في ليبيا والمغرب.

لفتت شايعة جعفري، المختصة في قضايا المجتمع والمرأة بالجزائر، إلى أن أصل تسمية العادة مرتبط أساساً بالتراث اللغوي والشفهي العربي عموماً، ولأهل المغرب العربي خصوصاً، والقصد به "العشرة"، وفق ما قالته لبلينكس.

وفي الجزائر يستعمل أهلها مصطلح "أكل ملحي" أو "أكلت ملحه"، وهي دلالة على أن "الملح مثل رابط صلة الرحم"، وأكل الملح عندهم يعني "العشرة الطيبة والدائمة".

بينما تذهب جازية محمدي، وهي رئيسة جمعية تراثية وحرفية بالجزائر، إلى الإشارة أن هناك من يرجع أصل تسمية هذه العادة إلى "تذوق ربة المنزل وهي صائمة في رمضان اعتدال ملوحة أكلها بوضع قليل منه على لسانها"، لتكافئ صبيحة العيد بهدية على "مجازفتها بصومها" كما قالت لبلينكس.

لا توجد فروقات كبيرة في عادة "حق الملح" بين شعوب المنطقة، وإن كان الاختلاف في نوعية الهدية المقدمة من الرجل للمرأة لإنصافها ورد جميلها بجميل آخر، حسب تصريحات المختصين والمهتمين بتراث منطقة المغرب العربي لبلينكس.

وفي جميع مجتمعات المنطقة المغاربية ثمة طقوس واحدة، إذ يقدمها الزوج لزوجته أو ابنته أو شقيقته مباشرة بعد عودته من صلاة العيد، والتي يجدها في انتظاره بعد أن حضرت له صينية العيد من حلويات وأكواب من القهوة.

وبعد شربه القهوة يضع الرجل قطعة من الذهب أو الفضة أو مبلغاً من المال داخل الكوب ويقدمه لها هدية لها عرفانا ًمنه على ما قدمته لعائلتها طوال أيام شهر رمضان.

شايعة جعفري، لفتت في المقابل إلى أن عادة "حق الملح" التي يقدم فيها قطعة من الذهب هدية للمرأة كانت عادة شائعة في حي "القصبة" العتيق منذ القدم، والذي كان مركزاً سياسياً وعسكرياً وسكنياً للعثمانيين، وهو ما يعني، بحسب قولها، إن هذه العادة كانت سائدة فقط في العاصمة.

أما في بقية مناطق الجزائر، فتقول جازية محمدي إن هذه العادة كانت "حتى دخول العثمانيين للجزائر ولمدن لم يصل إليها العثمانيون مثل باتنة وبسكرة ومحافظات صحراوية أخرى".

واستدلت على ذلك بتوارث أهالي هذه المناطق الجزائرية عادة قديمة في عيدي الفطر والأضحى، تتمثل في إهداء الزوجة وبناته "الحناء" لتخضيب أرجلهن لإزالة التعب عنهما.

وتضيف "ليلة العيد يحضر الزوج أكياساً من الحناء من السوق لكل امرأة في منزله، على أن تقوم كل واحدة منها بتحضيرها في أكواب مسطحة مصنوعة من الفخار، ثم تباشرن طقوس الدوران حولها وترديد مدائح دينية، ثم يقمن بتخضيب الشعر ثم اليدين، ويختمن بالرجلين".

أوضح محمد دومير، المختص في الشأن التراثي والثقافي بالجزائر، في تصريح لبلينكس أن عادة "حق الملح" لم تحظ بالدراسات الدقيقة لمعرفة أصلها ومتى دخلت إلى المنطقة، أو بحثت في إن كانت عادة دخيلة أم علامة مسجلة بدولة من دول المغرب العربي.

وكشف أن "حق الملح" لم تسجل بعد في التراث غير المادي لمنظمة "اليونيسكو"، ولم تتقدم أي دولة مغاربية بملف تصنيفها، مرجعاً ذلك إلى قلة المعلومات والحقائق التاريخية التي تشترطها المنظمة لإدراج العادات والتقاليد على لوائحها.