"إيكودار".. كيف أسّس المغرب أقدم بنك في العالم؟

يشرح الباحث في الآثار والتراث، أحمد أوموس، أن القبائل الأمازيغية في المغرب بدأت في تشييد "إيكودار" منذ القرن الخامس عشر، على شكل مغارات متفرقة في الجبال. واستمرت في بنائها وتطوير أشكالها إلى أن أصبحت مخازن محصنة وأكبر حجما تشيد على قمم الجبال والهضاب.

ويشير أوموس إلى أن بناء "إكودار" تزامن مع بدايات وصول الإسلام إلى المغرب الأقصى واستقرار قبائل عربية في السهول ومنها سهل سوس، ثم بعد ذلك الاحتلال الإيبيري للسواحل المغربية، ممثلا في الغزو البرتغالي الذي احتل مرافئ ماسة و"أكادير أغير"، إضافة إلى الخوف من الجوع والعطش الذي كان يهدد القبائل المحلية بين الفينة والأخرى.

ويعتبر اختيار قمم الجبال لبناء "إيكودار" خطوة استراتيجية تهدف إلى حماية المخزونات من اللصوص والهجمات، حيث توفر المواقع المرتفعة رؤية واسعة للمحيط، مما يسهل رصد أي خطر خارجي. بالإضافة إلى ذلك، كان الوصول إلى هذه الأماكن يتطلب مجهوداً كبيراً، مما يجعل سرقة المخزونات أمراً صعباً للغاية.

لكنّ الموقع الجغرافي ليس مرتبطاً بأسباب أمنية فقط، بل هناك أسباب فنية أيضاً، حيث يتم اختيار أعالي الجبال لأنها تستقبل أشعة الشمس والرياح طوال النهار ما يسمح بالحفاظ على سلامة المحاصيل وتجنب تلفها.

كانت القبائل تخزن أنواعا كثيرة من الحبوب وزيت الزيتون، والعسل، وأدوات زراعية، لتأمين الغذاء اللازم لفترات طويلة، قد تصل إلى 20 سنة، حسب أوموس.

كان نظام الإدارة يشبه إلى حد كبير النظام البنكي العصري، حيث كانت كل عائلة تملك "حساباً" خاصاً بها داخل إيكودار، وكانت تُدار هذه الحسابات بعناية، حيث يتم تسجيل ما يتم إيداعه وسحبه بدقة.

أما بالنسبة لملكية المخزونات، فقد كانت تتم بطريقتين:

• شراء حصة من المخزن، مما يمنح المالك حق استخدام جزء من إيكودار.
• استئجار مساحة تخزين محددة لمدة زمنية معينة.

وتضمن هذه الطرق توزيع الموارد بشكل عادل بين أفراد القبيلة وتتيح للجميع الاستفادة من إمكانيات التخزين المتاحة.

وبينما يُعتقد أن "إيكودار" باتت مآثر تاريخية يقف على أطلالها المهتمون بالتاريخ المغربي، لا سيما الثقافة الأمازيغية، لا تزال بعض هذه المخازن "نشيطة ومستعملة،" وفقاً للباحثة والمهندسة في التراث سليمة الناجي، التي درست نحو 300 مخزن "إكودار" في إطار بحثها لنيل شهادة الدكتوراه عام 2007.

يشرح الباحث في الآثار أحمد أوموس، الذي وثق مواقع "إيكودار" بالمغرب في دراسة ميدانية نشرها عام 2013، أنّ "قلة منها لا يزال يستعمل لتخزين الحبوب بمنطقة الأطلس الصغير الغربي"، في حين أن أغلبها مهجور أو تعرض للدمار، أو اندثر ولم يبق لها أثر ببعض المناطق، مثل إداوتنان بالأطلس الكبير الغربي وبعض مناطق الأطلس الصغير الشرقي".

وتعود أسباب الاندثار إلى تراجع دور القبيلة في الإدارة المحلية، أمام انتشار وتوسع الإدارة الحديثة منذ بدايات القرن العشرين والهجرة، دون إغفال دور الصراعات القبلية التي كانت تؤدي أحيانا إلى الاقتتال والثأر بتخريب بعض من هذه المخازن"، حسب دراسة أوموس.