دبلوماسية‎

طائرة في حقيبة دبلوماسية إلى غزة

نشر

.

Muhammad Shehada

المشهد كان عجيباً وأثار فضول سكان المنطقة الذين لم يعتادوا هذا المنظر غير المألوف: ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين، سڤين كون فون بورغسدورف، ببنطال كارجو أبيض وحذاء رياضي ويحمل حقيبة تشبه حقائب التخييم في البراري، بداخلها طائرة.

أخرج سڤين من حقيبته طائرة مظلية "Paragliding flight" تشبه الباراشوت، واعتلى تلةً بالقرب من معسكر الشاطئ للاجئين، مطلع الأسبوع الماضي، ليقفز منها ويحلق في أجواء القطاع فوق مياه البحر المتوسط لمدة خمس دقائق على ارتفاع نحو 50 متراً.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يحلق فيها مدني في سماء غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي عام 2006، حيث ينطوي هذا الحصار على حظر كامل للطيران والملاحة الدولية في سماء وبحر غزة.

قارب من أجل غزة

"يمكنك الطيران هنا، يمكنك التجديف في قارب صغير، وركوب الخيل، والسباحة، وركوب الأمواج. كل شيء ممكن في غزة. بمجرد أن تكون فلسطين حرة وغزة حرة، يمكنك أن تفعل الشيء نفسه بالضبط. وهذا هو السبب في أنني فعلت ذلك، لأريكم الطريق إلى الأمام.." كانت هذه كلمات السفير سڤين للصحفيين المحليين في غزة عقب هبوطه من طائرته المظلية.

ممثلية الاتحاد الأوروبي في رام الله قالت إن سفيرها قام بتلك الخطوة "من أجل غزة وفلسطين". سڤين واظب على المطالبة العلنية بـ"رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة ومنح سكانه فرصة للحياة وإعادة الإعمار". في زيارته الدورية لغزة، اعتاد السفير على ارتداء تي-شيرتات بدلاً من الأزياء الرسمية.

زيارة سڤين لغزة يوم الأحد ١٦ يوليو، كانت الأخيرة قبل نهاية فترة عمله في الأراضي الفلسطينية، ومسيرته المهنية كاملة. فالسفير الألماني الأصل والحاصل على الدكتوراه في دراسات التنمية يوشك على التقاعد بعد خدمته في السلك الدبلوماسي لأكثر من ثلاثين عاما.

.. ومن أجل كوكب أزرق

بعد التحليق المظلي، بدّل سڤين ملابسه ليرتدي قميصاً رياضياً أصفر اللون وسروال بحرٍ قصير ملون ويركب قارب تجديف في بحر غزة ليشارك إلى جانب نحو 15 متسابقا في فعالية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الفلسطيني للشراع والتجديف. ثم انطلق الدبلوماسي الستيني في لعب كرة الشاطئ مع شباب من القطاع قبيل إلقاء كلمة قال فيها إن "إمكانات وقدرات الشباب في فلسطين كبيرة. نرى الشباب يتفوقون في كل جانب من جوانب الحياة".

الوجه الآخر لغزة

سڤين كان دائم السعي في زياراته للانخراط في أنشطة محلية تهدف للتعريف بمختلف طاقات غزة الكامنة، بدلاً من الصورة النمطية عن الدمار والفقر والمعاناة المنتشرين بالفعل في القطاع في ظل القيود المفروضة عليه، والحروب المتكررة التي شهدها.

الأنشطة التي شارك فيها سكان القطاع لاقت بعض الرواج بينهم، ليس فقط لندرتها غير المعهودة، بل لاحتوائها أيضاً على شيء من الطرفة. فتارةً يظهر السفير الأوروبي في شهر سبتمبر الماضي وهو يتسلق نخلة وسط القطاع ليقطف عنها ثمار البلح، قبل أن يسقط أثناء نزوله. وتارةً أخرى، يتجول وطاقم السفارة في قارب ترفيهي في البحر أمام غزة، لكنه انقلب بهم قبيل الوصول للشاطئ.

مثل هذه الأنشطة تقوم بتعريف الكثير على القطاع الذي يحتوي بعضا من عوامل الجذب السياحي مثل الفنادق، والمنتجعات السياحية والكورنيش البحري، بالإضافة لبضعة مطاعم، ومولات تسوق صغيرة.

لكن أغلب سكان القطاع لا يمتلكون قدرات مادية لاستخدام هذه المنشآت، فالبطالة تنهش صفوف الشباب، حيث بلغت نسبتها في العام 2022 73.9% بين من تقل أعمارهم عن 30 عاماً، بالإضافة نظرا لاعتماد نحو 80% من السكان على الإعانات الغذائية.

استخدام الحصانة

السفير الأوروبي أدخل الطائرة المظلية في حقائبه الشخصية، بحسب تصريح لطاقم ممثلية الاتحاد، ما يعني استخدام حصانته الدبلوماسية لذلك الغرض، دون إخطار إسرائيل بنواياه، فالسلطات الإسرائيلية تفرض قيوداً مشددة على الواردات لقطاع غزة، وصلت في بعض الأحيان لتقييد دخول ألواح ركوب الأمواج وقوارب الصيد.

ويقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بأن حصار غزة كبد اقتصادها خسائر اقتربت من 17 مليار دولار بين الأعوام 2007-2018، علاوة على الدمار الذي أحدثته الحروب الإسرائيلية المتتالية على القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس، بالإضافة للقيود الحركة المفروضة على السكان والقيود المفروضة على الواردات والصادرات لغزة والتي تقوض الاستفادة من موارد القطاع المختلفة.

لكن البنية التحتية السياحية الجذابة في غزة تعطي بعض الأمل بأنها قد تشكل مصدر دخل لسكان القطاع في حال رفع الحصار واستئناف دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية للقطاع أو السائحين من الخارج، حيث لا تسمح إسرائيل حالياً لأي أجنبي بدخول غزة سوى الوفود الدبلوماسية الغربية والصحافيين الدوليين وموظفي المؤسسات الأممية والإغاثية العالمية.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة