اقتصاد

قصة تشاندرايان-3.. كيف وصلت الهند للقمر بميزانية فيلم صغير؟

نشر

.

Alaa Osman

في الـ ٢٣ من أغسطس الجاري، كانت الهند في حالة احتفال بإنجاز وطني خاص، إذ تمكنت من رفع علمها على القطب الجنوبي من القمر، لتُصبح أول دولة في العالم تستكشف تلك المنطقة.

عُرفت المركبة الفضائية بالاسم تشاندرايان-3 وفي اليوم التالي على الهبوط التاريخي غادر المسبار الهندي المركبة الفضائية بحسب وكالة رويترز ليبدأ مهامه البحثية، ولم تكن بضعة أيام تمضي على نجاح المهمة حتى أعلنت الهند فصلا جديدا في رحلاتها في الفضاء أمس الإثنين، متمثلا في إطلاق مرصد فضائي هندي لدراسة الشمس في أوائل سبتمبر المقبل.

عنصرية إنكليزية

بالنسبة للبعض، يبدو مُضي الهند قدما بخطوات سريعة في ملف الفضاء أمرا غريبا، وتمثلت وجهة النظر تلك في سؤال طرحه مقدم برامج في هيئة الإذاعة البريطانية لمختص هندي في إطار التغطية الإخبارية لإطلاق المسبار الهندي في الفضاء إذ قال: "هل يجب على الهند؛ الدولة التي تفتقر للبُنى التحتية وتعاني من الفقر الشديد ويفتقر فيها حوالي ٧٠٠ مليون شخص وجود دورات مياه، أن تنفق حقا ذلك الكم من الأموال على برنامج فضائي".

إلا الهند تمضي للأمام وفقا لميزانيات محدودة للغاية، إذ بلغت كُلفة المهمة تشاندرايان-3 حوالي ٧٥ مليون دولار أميركي فقط، وهو أقل من ميزانية فيلم متواضع، فيما تبلغ ميزانية وزارة الفضاء في الهند بشكل عام حوالي ١.٥٢ مليار دولار أميركي للعام الجديد وفقا لوكالة رويترز، وهى الميزانية التي تبدو متواضعة للغاية ما إذا قورنت بالميزانية التي طلبتها وكالة ناسا للعام الجاري ووصلت لحوالي ٢٦ مليار دولار أميركي.

بدايات متعسرة

بصعودها إلى القمر، ومحاولاتها الاستكشافية الأخرى، تحصد الهند سنوات من العمل الدؤوب في ملف الفضاء، في بعض الأحيان، تم ذلك العمل والتطوير في عزلة شبه كاملة عما يزحم العالم من تطورات وتكنولوجيا متقدمة في الخارج، بالتحديد بدءا من منتصف السبعينات عندما واجهت عقوبات دولية متعلقة بتطوير برنامجها النووي، مما حرمها من انتقال العديد من التكنولوجيا إلى داخل البلاد ومن ثم اعتمد برنامج الهند في الفضاء على تدفق التمويل الحكومي المستمر مع قدر كبير من استقلالية الموظفين في محاولة تحديد الأهداف والأولويات.

بلوغ القمر لم يكن مطروحا في البداية على طاولة المناقشات الهندية. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

في تلك الأثناء كان البرنامج الفضائي الهندي يحظى بتأييد ودعم داخلي على الرغم من السخرية التي تبعت الهند كدولة فقيرة تسعى لبلوغ الفضاء، وفقا لتحليل نُشر على موقع فورين بوليسي، إلا أن الزخم الداخلي منفردا لم يمكن الهند من مواكبة التطورات الخارجية سوى عندما رُفعت عنه العقوبات لاحقا، مما مكن البلاد من التعاون مع القوي الدولية في ملف الفضاء من جديد.

نمط آخر من الانفتاح دفع الهند للأمام، وهو دمج القطاعات الخاصة في صناعات الفضاء التي كانت محتكرة بشكل ما من قبل الدولة، في محاولة لجذب رؤوس أموال جديدة للصناعة في مطلع العقد الجاري.

لماذا تهتم الهند بملف الفضاء؟

في حين يثير اهتمام الهند بالفضاء انتقادات غربية، إلا أن هناك ما يدفع الدولة للمنافسة، بحسب تقرير بعنوان "برنامج الفضاء الهندي ومحركاته وآثاره الآثار المحتملة في سوق الفضاء العالمي" صدر عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وهو مركز بحثي مستقل، يرتبط ملف الفضاء في الهند بالحس القومي ذاته، وينظر إليه كدلالة على تقدم البلاد تكنولوجيا ومن ثم زيادة مكانتها على الساحة العالمية.

الردع العسكري عامل من عوامل الجذب في ملف الفضاء. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

في العام ١٩٩٢ ظهر باعث جديد على اهتمام الهند بالفضاء وهو الشق التجاري، ومحاولة الهند الاستحواذ على دور ريادي في قطاع بناء القدرات الفضائية، إذ تجلي ذلك الباعث عندما أطلقت الهند شركة Antrix وهي الذراع التجاري لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية، وذلك بالإضافة إلى الدور الدفاعي الذي قد تلعبه تكنولوجيا الفضاء في أنظمة القيادة والسيطرة النووية والقيادة والسيطرة العسكرية وأنظمة الملاحة.

وفي العام ٢٠١٩ استعرضت الهند قدرتها في استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من خلال اختبار أحد تلك الأسلحة لإثبات ما تشكله من سلاح ردع فعال.

تبلغ قيمة اقتصاد الفضاء في الهند ٨ مليار دولار. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

وتبلغ قيمة الاقتصاد الفضائي في الهند اليوم بشكل عام ٨ مليار دولار أميركي، وهو معدل مرشح للزيادة بحلول عام ٢٠٤٠ ليتراوح ما بين ٤٠ مليار و١٠٠ مليار دولار، حسب موقع فوربس إنديا.

طريق آخر

لمحاولة بلوغ أهدافها، تسلك الهند طريقا آخر مختلف تماما عن الطريق الذي تسلكه برامج فضائية ووكالات أخرى، كوكالة ناسا على سبيل المثال، ففي الهند تخفيض النفقات شعار دائم أثناء العمل لبلوغ أفضل نتائج عبر بذل الجهد الأقل وهي الثقافة التي تبنتها منظمة أبحاث لفضاء الهندية منذ ستينيات القرن الماضي، عندما كان حُلم بلوغ القمر غير مطروح من الأساس على طاولة النقاش، وفقا لتقرير أعده موقع The Economic Times.

يتبنى مبدأ تخفيض النفقات علماء الهند أنفسهم، الذين يعتمدون على ميزانيات متواضعة، ويسخرون مهاراتهم لمحاولات العثور على حلول منخفضة التكلفة لما يواجهونه من عقبات، كما أنهم يعمدون إلى المخاطرة بين الحين والآخر لبلوغ الأهداف المرجوة، فيما يفضلون وصفه بـ مخاطرات محسوبة، تؤتى ثمارها في أغلب الأحيان.

العلماء في الهند يهتمون بهدف ترشيد النفقات. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

في العام ١٩٨١ أطلقت الهند أول قمر صناعي كبير لها باستخدام محرك من صاروخ باسم SLV دون أن يتم اختباره.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة