أسعار قياسية في تونس.. "سالم" يتخلى عن شراء الأضحية

في الجانب المحاذي لمدخل سوق الخراف الذي زاره سالم وخرج خالي الوفاض، يقف التاجر محمد عثمان وسط 7 رؤوس من الأغنام، محاولا الإجابة عن تساؤلات المارة بخصوص ثمن هذا الخروف أو ذاك.

يقول محمد لبلينكس إنه لا ينكر أن الأسعار مرتفعة مقارنة بالمواسم السابقة، وأيضا بالنسبة للقدرة الشرائية لشرائح واسعة من التونسيين، لكن المزارعين أيضا في وضعية صعبة بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف الموردة على خلفية سنوات الجفاف المتتالية منذ نحو 6 أعوام.

وفي سياق متصل، تفيد أرقام كشفت عنها مؤخرا منظمة "أليرت" غير الحكومية، أن وزارة الفلاحة أقرت زيادة بقيمة 300 دينار (نحو 100 دولار)، في سعر الطن الواحد من الشعير مقابل التخفيض في الكميات المستوردة، بسبب شحّ العملة الأجنبية.

الراتب الشهري الذي يتقاضاه سالم كمدير لمدرسة ابتدائية في العاصمة تونس والذي لا يتعدى حاجز 550 دولارا، بالكاد يكفيه لشراء الأضحية وباقي ما يلزمه من أطباق العيد، هذا بجانب المصاريف الشهرية المعتادة.

الارتفاع غير المسبوق لأسعار الأضحية يتراوح بين 800 دينار (نحو 270 دولارا)، و1500 دينار (نحو 500 دولار) للخروف الواحد.

دراسة للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والاقتصاد الكمي كشفت أن 61% من التونسيين يختارون أضاحيهم بحسب إمكانياتهم المادية فيما يشتري 23% الأضحية حسب النوعية، و19% حسب الشكل، و34% حسب عدد أفراد الأسرة.

وبينّت الدراسة أن احتياجات التونسيين من أضاحي العيد تتمثل في 900 ألف خروف، وأن العرض عادة ما يتفوق على الطلب ما يسبب فائضا في الإنتاج، غير أن فائض الإنتاج لا يؤثر بشكل ملموس على الأسعار، إذ تبلغ كلفة شراء أضاحي العيد في تونس نحو 1035 مليون دينار.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي لبلينكس أن وضعية الفوضى في منظومة الإنتاج الحيواني، أدت إلى ظهور لوبيات للاحتكار والمضاربة فيما يسمى "القشارة"، أي الوسطاء الذين يشترون الأغنام بمقابل زهيد من المزارعين، ثم يبيعونها بأسعار خيالية بعد التحكم في العرض والطلب، في غياب كلي لرقابة مؤسسات الدولة على هذا المجال.

ودعا الرياحي إلى مقاطعة الأضاحي هذا العام لسحب البساط من تحت هؤلاء المضاربين، وبالتالي تقليص أسعار اللحوم في الفترات القادمة.

وساندت هذه الدعوة فئات مختلفة من التونسيين لتظهر موجة من الاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي دفعت بمفتي الجمهورية هشام بن محمود للخروج في كلمة بثها التلفزيون الرسمي للتأكيد على أن "الأضحية سنّة مؤكدة وشعيرة وجب احترامها، لكنها مرتبطة بالاستطاعة".

وفي تعليق على دعوات المقاطعة، يوضح أستاذ علم الاجتماع الدكتور جلال التليلي لبلينكس، أن عيد الأضحى بالنسبة للتونسيين ليس شعيرة دينية بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما هو عادة اجتماعية متوارثة لها طقوسها الاحتفالية، كما هي مناسبة استهلاكية ويظهر ذلك من خلال التجاء بعض التونسيين للاقتراض لتوفير "فرحة الصغار".

وأضاف أنه لا يتوقع أن يكون لتدخّل مفتي تونس أثرا على حملة المقاطعة، باعتبار أن المحدد في هذه العملية يتعلق بمدى توفر أثمان الأضحية.

قبل أسابيع من موعد عيد الأضحى، ينتشر باعة الفحم والأواني الفخارية على جانبي الطرقات الرئيسية.

؛الشواء على الطاجين"، آنية من الطين، طقس أساسي من طقوس أكل لحم خروف العيد عند التونسيين، الذين يستهلكون بمعدل 8 كيلوغرامات للفرد الواحد من اللحوم الحمراء سنويا، وهو أقل من المعدلات العالمية، إذ يستهلك الأميركيون نحو 234 كيلوغراما للفرد، والأوروبيين بين 80 و90 كيلوغراما سنويا.

وبالتالي يكون عيد الأضحى فرصة للاستمتاع بالوصفات التقليدية المصنوعة من لحم الضأن، حتى أن سماء البلاد يوم العيد تعتليها سحابة دخان الشواء بسبب انتشار مئات الشبان في مختلف الأحياء خاصة الشعبية منها، الذين يعملون بهذه المناسبة في شواء رؤوس الأغنام وأرجلها المعروفة باسم "التشوشيط".

جزء منهم يطرق أبواب البيوت عارضا خدمة "تفحيم" رأس الخروف مقابل 3 دينارات (نحو دولار واحد)، و5 دنانير إذا كان مرفوقا "بالكرعين" أي الأرجل، ويجمع هؤلاء أيضا ما فاض على أصحاب المنزل من جلود.

شق آخر يجد في العيد فرصة لكسب الرزق، فالدكاكين التي يمارس أصحابها عادة صنع المفاتيح أو باعة الأعلاف، تتحول في فترة العيد إلى محلات لسن السكاكين. وأغلب هؤلاء يصبحون "جزارين" أيام العيد، يذبحون الخرفان ويسلخونها ويقطعونها حتى وإن لم تكن لهم خبرة سابقة في هذا المجال.