مركبات الصين تغزو العالم.. كيف تهدد "سيارتك المفضلة"؟

دفع الاستثمار الحكومي الهائل، صناعة السيارات الصينية إلى الأمام، وساعد على ذلك نمو السوق المحلية، للدرجة التي جعلت الصين تنتج ضعف ما تحتاجه من السيارات سنويا.

وباتت الصين رائدة الآن في السيارات الكهربائية، إذ تصدر أنواعها المختلفة أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وخاصة شركتها العملاقة "بي واي دي" التي أصبحت علامة تجارية مميزة بسبب الجودة المتلاقية مع الأسعار التنافسية العالمية.

ويقول شركاء الصين التجاريين في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" إن صادرات الصين من السيارات الكهربائية، وأيضا التي تعمل بالبنزين، تعرض ملايين الوظائف للخطر، وتهدد الشركات الكبرى.

وفي العام الماضي، نجحت الصين في بيع أكثر من ١.٧ مليون سيارة كهربائية في الخارج، أكثر بنسبة ٥٠٪ من ألمانيا التي جاءت في المركز الثاني.

وتعد أوروبا هي الوجهة الأولى للسيارات الصينية، حيث يفضل المستهلكون النماذج الصغيرة والمدمجة مثل التي تباع في الصين، خاصة أنها تقدم بأسعار تنافسية.

وتفتح الصين سوقا أخرى في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يفضل المستهلكون السيارات الصينية بسبب أسعارها الرخيصة مقارنة بالسيارات الأوروبية والآسيوية الأخرى.

وخلال الـ١٥ عاما الماضية، استثمرت الصين بكثافة في تطوير السيارات الكهربائية، للحد من اعتمادها على النفط المستورد، لتصبح في الوقت الحالي عملاقا في هذا المجال.

وتشير التقديرات إلى وصول مساعدات الصين لقطاع السيارات الكهربائية والبطاريات أكثر من ٢٣٠ مليار دولار منذ عام ٢٠٠٩، وهو أحد الأسباب التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى فرض جمارك مضادة لهذا الدعم.

وأدى تفوق الصين في السيارات الكهربائية، إلى أزمة لمصنعي السيارات التي تعمل بالبنزين، لأنها باتت غير مرغوب فيها، ما جعلها تُصدر للخارج بأسعار تنافسية.

وتحتوي الصين على أكثر من ١٠٠ مصنع للسيارات بطاقة إجمالية لتصنيع ما يقرب من ٤٠ مليون سيارة بمحركات الاحتراق الداخلي سنويا، وهذا أكثر من ضعف احتياج الشعب الصيني، خاصة أن هذه السيارات باتت غير مرغوبة في ظل صعود السيارات الكهربائية.

ونتيجة لذلك، أغلقت بعض المصانع وجمدت مصانع أخرى، لكن شركات السيارات التي ما زالت تعمل في صناعة محركات البنزين، تعتمد على تصدير منتجاتها إلى الخارج.

بنت الشركات الألمانية سمعة عالمية طيبة في مجال صناعة السيارات، وتوسعت في كل أنحاء العالم، ما جعل لها نصيبا كبيرا في السوق الصينية، قبل أن يتبدل الوضع في السنوات الأخيرة.

عملاقة صناعة السيارات الألمانية، فولكس فاغن، كانت تعتمد على السوق الصينية في نسبة ضخمة من مبيعاتها، لكنها وجدت نفسها خارج السوق تدريجيا، لتتأثر مبيعاتها بشكل كبير، وفقا لتقرير شبكة "سي إن إن".

وانخفضت نسبة مبيعات فولكس فاغن في الصين في النصف الأول من العام الجاري بنسبة ٧٪، وفقا للتقرير السنوي للشركة الألمانية، التي تعاني ماليا هذا العام.

أرباح فولكس فاغن تراجعت بنسبة ٦٤٪ بسبب الأداء السيئ في السوق الصينية، لتنخفض إيرادات الشركة الألمانية خلال الربع الثالث من العام الجاري.

وبسبب المنافسة الصينية في أوروبا والعالم، بالإضافة إلى غلق السوق الصينية، باتت فولكس فاغن في وضع خطير، مثل شركات أوروبية أخرى، إذ قال عضو مجلس إدارة الشركة، جونار كيليان: "نعيش وضعا خطيرا، وبدون تدابير شاملة لاستعادة القدرة التنافسية لن نتمكن من تحمل تكاليف الاستثمارات في المستقبل".

وحاولت الحكومة الألمانية دعم شركات السيارات للصمود في منافسة بكين، فقد صرح المتحدث باسم الحكومة في برلين، في ٢٨ أكتوبر الماضي، بأنه يجب أن تستمر فولكس فاغن في المنافسة وتحافظ على استمرارية العمل ووظائف العاملين بها.

في وقت سابق من العام الجاري، فرضت الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، تعريفات جمركية جديدة على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، للحد من انتشارها وحماية الصناعة المحلية.

وتشعر الحكومات الغربية بالقلق من تقدم صناعة السيارات الصينية، حيث تلعب صادرات السيارات دورا كبيرا في الأمن القومي للعديد من الدول الأوروبية، وتنتج الشركات ناقلات الجنود المدرعة وشاحنات الشحن وغيرها من المركبات التي تحتاج إلى إبقاء صناعة السيارات مزدهرة، ومصانعها مفتوحة للعمل والتوسع.

في المقابل ردت الصين بتعريفات جمركية باهظة، وضرائب إضافية، لتجعل تقريبا كل السيارات المباعة في الصين صناعة محلية، لتنجح في منع السيارات المستوردة في منافستها محليا.

وعلى غرار أوروبا وأميركا، فرضت دول أخرى في مختلف أنحاء العالم ضرائب وتعريفات جمركية على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، بالإضافة إلى الضرائب الأساسية المطبقة بالفعل.

وعلى سبيل المثال، فرضت أميركا ضريبة ثابتة على السيارات الصينية الكهربائية، وحدد الاتحاد الأوروبي معدلا للضرائب حسب الشركات والسيارات، بينما تسعى الهند والبرازيل لحماية صناعتهما المحلية بالضرائب والجمارك كذلك.

وعلى الرغم من ذلك، لا تعوض الرسوم الجمركية التفوق التنافسي للصين في الأسواق الغربية والعالمية، فالشركات الصينية نجحت في تقديم جودة عالمية بتكلفة أقل.

وقال محللون في بنك "يو بي إس إن" إن السيارات التي تصنعها شركة "بي واي دي" تصل تكلفة تجميعها أقل من ٣٠٪ من الشركات التي تصنع في أوروبا وأميركا.

ويشير المحللون إلى أن مقاومة الغرب بالجمارك، لن تنجح في إلحاق الضرر بصناعة السيارات الصينية، التي تستمر في النمو عالميا، ومن المتوقع لها أن تهيمن على الصناعة لسنوات عديدة.