5 أسباب خلف "أكبر خسارة لأردوغان"

في حين أن الكثير من أسباب هذا التراجع الكبير تبدو واقعية ومتوقعة ومنها الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتراجع أداء العدالة والتنمية بعد 22 عاماً في الحكم، إلا أن عوامل جديدة ومفاجئة قلبت المعادلة وعزّزت فرص فوز المعارضة.

على مدى السنوات الماضية، حاولت المعارضة التركية مراراً التوحد في تحالف انتخابي تحت راية "كل من يعادي أردوغان".

هذه الخلطة نتج عنها تحالفات هجينة غير متماسكة لا حزبيا ولا سياسيا، والأهم أيديولوجياً، حيث ضمت أحزاب علمانية ويسارية ومحافظة وكردية، الأمر الذي شتت أصوات حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة بدل أن يزيدها.

وعقب تجربة التحالف الأخيرة الفاشلة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت العام الماضي، نجح حزب الشعب الجمهوري بداية في التخلص من زعيمه السابق كمال كليتشدار أوغلو الذي لقب بـ"أبو الخسارات الانتخابية"، من كثرة الانتخابات التي خسرها مقابل أردوغان.

وبدأ على عجل أوزغو أوزال الزعيم الجديد بتغيير استراتيجية خوض الانتخابات، وذلك بالتركيز على بناء الحزب وزيادة ثقة قاعدته بالقيادة الجديدة، بدلاً من البحث عن تحالفات صغيرة أضرت الحزب ولم تنفعه في الانتخابات السابقة.

في السنوات الأخيرة، سعى الرئيس التركي للعودة إلى سياسة "صفر مشاكل" عبر إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كافة دول المنطقة، انطلاقاً من اعتبارات مختلفة لكن أهمها على الإطلاق كان يتعلق بتغليب المصالح الاقتصادية على الحسابات السياسية.

وهو ما قاد أردوغان إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وإعادة تبادل السفراء وتعزيز العلاقات الاقتصادية، والتبادل التجاري وبنية واضحة بعدم العودة إلى الخلف، أي قطع العلاقات مع إسرائيل مع أي حرب جديدة تشنّها على غزّة.

وقبل أيام من الانتخابات فقط، صدرت بيانات التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا ليتبين أن التبادل التجاري بين البلدين شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال أشهر الحرب الإسرائيلية على غزّة، كما أن الصادرات شملت بعض أنواع المحروقات والبارود، وهو ما فجر نقمة غير مسبوقة على الحكومة في أوساط الجماعات والأحزاب الدينية، الداعم التقليدي لأردوغان ومرشحيّه على كافة المستويات.

بدلاً من دعم العدالة والتنمية في الانتخابات، تحولت أحزاب وجماعات دينية ومحافظة للهجوم على الحكومة، وبنت دعايتها الانتخابية على موقف الحكومة الذي وصفته بـ"السلبي" من الحرب على غزّة.

ووزع حزب الرفاه الجديد، الداعم التقليدي للعدالة والتنمية، فيديو يُشبّه فيه التصويت للعدالة والتنمية بأنه منح رصاصة لإسرائيل تقتل فيها أطفال غزّة، بالتزامن مع إعلان جماعات دينية عدم دعمها لمرشحي الحزب الحاكم.

وعلى الرغم من أن آخر تحرك انتخابي لأردوغان كان زيارة مسجد آيا صوفيا برفقة مرشح العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول، إلا أن الخطاب الديني والرسائل الرمزية ذات الطابع الديني، لم تلق اهتماماً هذه المرة من الجمهور الذي كان مشغولاً بالحديث عن الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وإلى جانب تراجع أحزاب وجماعات دينية عن دعم أردوغان ومرشحيه في هذه الانتخابات، لم يحقق حزب الحركة القومية، الحليف الأساسي لأردوغان في الحكم، النتائج المرجوّة بحصوله على أقل من 5 % من الأصوات فقط مقابل الـ10 % التي كان يأملها أردوغان، والتي كانت كفيلة بترجيح كفة الحزب الحاكم في عموم البلاد وربما مساعدته بالفوز في عدد من المحافظات الكبرى.

على مدى السنوات الماضية، وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية القاسية التي مرت بها البلاد، أصر أردوغان على خفض نسب الفائدة بشكل كبير واتباع سياسة اقتصادية قائمة على تسهيل السياسة النقدية التي أتاحت للمواطنين سيولة نقدية وتسهيلات بنكية ساعدتهم على تحمل الصعوبات الاقتصادية.

لكن وعقب ضمان الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام الماضي، بدأ أردوغان بتشديد السياسة النقدية.

وسمح برفع نسب الفائدة التي وصلت حتى 45 %، وهو ما ترتب عليه تشديد كافة التسهيلات المالية من قروض سكنية ونقدية وبطاقات ائتمانية وغيرها من القرارات التي قللت قدرة المواطنين على تحمل الصعوبات الاقتصادية، وهو ما فاقم بدوره من "النقمة" الشعبية على سياسات الحكومة الاقتصادية.

يضاف إلى ذلك التضخم الهائل الذي ضرب قطاع العقارات.

وأصبح الايجار الشهري للشقة السكنية في المحافظات الكبرى يفوق متوسط الأجور في البلاد، وهي الضربة الأكثر ايلاماً اقتصادياً للمواطن الذي بات يعمل على مدار الشهر لتأمين فقط الايجار الشهري للمنزل قبل التفكير في كيفية تأمين المواد الغذائية الأساسية التي تضاعفت أسعارها أيضاً مراراً في الأشهر الأخيرة.

منذ 10 سنوات يجري الحديث في تركيا عن دور الجيل الشاب الجديد في التغيير السياسي بالبلاد، ولكن وحتى فترة قريبة بقيت قدرتهم على التغيير تدريجية وبطيئة رغم أنها كانت ملموسة، فالصراع الانتخابي تحول إلى ما يشبه المعركة بين الآباء والأبناء، بين المتقاعدين والشباب الذي ولدوا واكتسبوا حق الانتخاب ولم يروا في حياتهم سوى أردوغان وحزب العدالة والتنمية يحكمون تركيا.

قدرة الشباب على التغيير السياسي بقيت محدودة وتدريجية، ولكن مع كل انتخابات كانت تتزايد أعداد الشباب الذين يكتسبون حق الانتخاب وصولاً إلى أنهم باتوا يشكلون أغلبية حقيقية على الأرض مع مرور 22 سنة على حكم أردوغان والعدالة والتنمية وهو ما مكنهم أخيراً من تشكيل فارق حقيقي قلب نتائج الانتخابات انطلاقاً من قاعدة بسيطة تقوم على فكرة تجريب حزب وقيادات جديدة في الحكم غير أردوغان والعدالة والتنمية.

وما جذب أصوات الجيل الجديد من الشباب للمعارضة التركية هي قيادات المعارضة التي باتت أكثر شباباً من قيادات الحزب الحاكم، فزعيم الشعب الجمهوري الجديد الذي لم يتجاوز الـ50 عاماً كان أكثر اقناعاً للشباب من أردوغان ذو الـ70 عاماً.

بينما شكل أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، ذو الـ54 عاماً ظاهرة ملهمة بين الشباب الذين أقنعتهم تجربته في رئاسة البلدية وباتوا يرون فيه الرئيس المقبل لتركيا، على خطى أردوغان الذي وصل الرئاسة عبر بلدية إسطنبول، على أن يكون الجواب في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2028.