"قداس انتخابي".. هل تجنّد روسيا كهنة أرثوذكس بمولدوفا؟
كشفت
رويترز في تحقيق نشرته الجمعة أن روسيا دفعت نفقات رحلات حج إلى موسكو لكهنة أرثوذكس من مولدوفا، ومنحتهم بطاقات خصم محملة بمئات الدولارات عند عودتهم إلى بلادهم. في المقابل، أنشأ الكهنة قنوات على تلغرام للتأثير على انتخابات مولدوفا، محذرين من الاندماج مع الاتحاد الأوروبي ومروجين لقيم "أوروبا التقليدية" في مواجهة "أوروبا المثلية"، حسب وصفهم.
وتابع التحقيق أن "الأب ميهاي بيكو، كاهن في الكنيسة الأرثوذكسية بمولدوفا، صعد على متن رحلة العودة من موسكو وذهنه مشغول بالاهتمام غير المسبوق الذي حظي به. هذا الكاهن البالغ من العمر 39 عامًا قضى مع عشرات من رجال الدين المولدوفيين أسبوعًا كاملاً على نفقة روسيا في جولة بأقدس مواقع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في سبتمبر الماضي"، بحسب ما قال لرويترز.
وأوضح أنّ المسؤولين الروس منحوه قسائم بقيمة 10 آلاف روبل (120 دولارًا) لإنفاقها في متاجر الكنائس الروسية التي تبيع الأيقونات والتذكارات.
كما حضر سلسلة محاضرات من لاهوتيين ومؤرخين شددوا على أنّ روسيا ومولدوفا، الدولة السوفياتية السابقة، مرتبطتان بـ"قرون من التقاليد والإيمان المشترك"، وأن عليهما الوقوف معًا في مواجهة "غرب فاسد أخلاقيًا".
وقبل العودة، قال بيكو إنه هو وكثيرين غيره تلقوا بطاقات خصم صادرة عن بنك روسي حكومي، سُلمت لهم داخل دير بواسطة أشخاص بلباس مدني لم يتعرفوا عليهم. وأُبلغوا أنّ الأموال ستُحوّل لهم بعد عودتهم إلى مولدوف، وفق رويترز.
وجاء في التحقيق أن الخدمة المطلوبة في المقابل كانت واضحة: "قال بيكو إنه طُلب منه ومن رفاقه إنشاء قنوات على مواقع التواصل الاجتماعي لرعاياهم في مولدوفا للتحذير من مخاطر سياسة الحكومة الموالية للغرب والسعي نحو اندماج أوثق مع أوروبا. وحصل بيكو على نحو 1200 دولار بعد عودته".
واعتبر ستانيسلاف سيكرييرو، مستشار الأمن القومي لرئيس مولدوفا، أن "أكثر جوانب التدخل الانتخابي الروسي انحطاطًا في مولدوفا هو استغلال المؤسسة الأكثر ثقة: الكنيسة"، وفق رويترز.
بلد صغير بين روسيا والغرب
مولدوفا، الدولة الصغيرة شديدة التدين في أوروبا الشرقية، تتجه إلى انتخابات برلمانية حاسمة، الأحد، قد تعرقل تقدمها نحو عضوية الاتحاد الأوروبي.
فبينما نالت استقلالها رسميًا عن موسكو عام 1991، ما تزال كنيستها الأرثوذكسية، التي يتبعها غالبية سكانها البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، فرعًا تابعًا لبطريركية موسكو.
كان بيكو ضمن مئات الأشخاص، معظمهم كهنة ورجال دين عاملون بالكنيسة الأرثوذكسية المولدوفية، الذين قبلوا رحلات حج ممولة بالكامل إلى موسكو بين يونيو وأكتوبر 2024، وفق مقابلات لرويترز مع 15 رجل دين بينهم ٤ حضروا تلك الرحلات وتحليل صور وفيديوهات منشورة على الإنترنت. وبعد انتهاء الرحلات بدأ النشاط الإلكتروني.
وحسب التحقيق، أنشئت نحو 90 قناة جديدة على تلغرام تابعة لرعايا الكنيسة الأرثوذكسية خلال العام الماضي، بحسب مراجعة رويترز. ومعظم هذه القنوات تبث محتوى متطابقًا تقريبًا يوميًا يحثّ المؤمنين على معارضة التوجه الموالي للغرب.
وزعم التحقيق أن "الرسالة الرئيسية لهذه القنوات: قيم العائلة التقليدية في مولدوفا مهددة من الاتحاد الأوروبي الذي (سيفرض الهويات المثلية ويهدم الأخلاق ويقضي على حرية العبادة). ورغم أن المنشورات ليست مؤيدة لروسيا علنًا، إلا أنها تعكس روايات أحزاب المعارضة الداعية إلى روابط أوثق مع موسكو".
تجنيد على طريقة "رحلات الحج".. وموسكو تنفي
يقول مسؤولو مولدوفا ودبلوماسيون غربيون إن استهداف الكنيسة جزء من "حرب ظل" أوسع تشنها موسكو للتأثير في الانتخابات، تشمل حملات تضليل إلكتروني وهجمات سيبرانية ودعمًا سريًا لسياسيين موالين لروسيا. أما موسكو فقد نفت هذه الاتهامات.
وتمكنت رويترز من تحديد سياسيين ومختصين بالإعلام الاجتماعي مرتبطين بالحكومة الروسية لعبوا دورًا محوريًا في هذه الجهود. تحليل بالتعرف على الوجوه لمقاطع فيديو من الرحلات، إضافة إلى مقابلات مع بيكو وكاهن آخر، أظهر ثلاثة روس من حزب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بين منظمي الرحلات.
البطريركية في موسكو تحدثت علنًا العام الماضي عن رحلات الحج بعد تقارير إعلامية في مولدوفا زعمت أن الزيارات جزء من حملة لتحويل الكهنة ضدّ الاتحاد الأوروبي. وقالت إن البرنامج يهدف إلى مساعدة الكهنة الفقراء وتعزيز الروابط الأخوية، بلا دوافع سياسية.
لكن مستشار الأمن القومي في مولدوفا علّق: "روسيا تجند وتدرب الكهنة خلال ما تسميه رحلات حج شاملة، لتجعل الدين سلاحًا. بعد عودتهم إلى مولدوفا يستخدم الكهنة نفوذهم لبث الشك".
أيّ معركة انتخابية تشهدها مولدوفا؟
المعركة الانتخابية مشتعلة، حكومة الرئيسة مايا ساندو دفعت باتجاه تكامل أوروبي أكبر، بينما قيادات الكنيسة الأرثوذكسية تتحدث عن أخطار احتضان أوروبا. وقال المطران مارشيل، أحد أبرز وجوه الكنيسة: "إنه أسوأ الذنوب. لأوروبا الثقافية المسيحية أقول نعم، لأوروبا المثلية أقول لا".
بيكو، الذي كان شماسًا كبيرًا في أبرشية مارشيل، قال إنه لم يُفاجأ حين أُبلغ بترشيحه للسفر إلى موسكو. وأضاف أن مجموعات من نحو 50 شخصًا كانت تقوم بالرحلة كل أسبوع منذ يونيو، وهي مكافأة غير متوقعة لكهنة في واحد من أفقر بلدان أوروبا، حسب رويترز.
وبحسب تحليل رويترز، جمعت 86 قناة تابعة لرعايا الكنيسة الأرثوذكسية في مولدوفا نحو 11500 مشترك بين أغسطس 2024 ومايو هذا العام.