ترفيه
.
استعد أيمن جيداً لتحقيق حلم طفولته بأن يصبح عالم فضاء، بعد أن أجاد حل المسائل الرياضية وتعامل بسهولة مع صعوبة الفيزياء وبحث في نشأة الكون والنظام الشمسي والنجوم المزدوجة، وتفوق في الثانوية العامة بمعدل 90%.
إلا أن كل ذلك لم يشفع له، وفجأة تحوّلت بوصلة الأحلام بالفضاء إلى الحلم بالسينما وصناعتها. فماذا حدث؟
حلم أيمن المشدلي، العشريني القادم من محافظة البيضاء وسط اليمن، تحوّل إلى حطام بسبب تحديات الواقع، لينتقل من حلمه بأن يكون عالم فضاء إلى التعمق في صناعة الأفلام، حيث شكلّت أول تجربة إخراجية له فارقاً في حياته خارج صندوق التوقع.
أيمن الشاب المكافح يروي لموقع بلينكس أن حلمه بأن يكون عالم فضاء، خاصةً مع شغفه بمعرفة الفيزياء الكمية، وعلوم الفضاء والظواهر الطبيعية، إضافة إلى تفوقه في الثانوية العامة بمعدل 90% وهي مقومات لعالم فضاء مثالي، إلا أنه ينقصه "جامعة ومال وكثير من الحظ".
ومع مرور السنوات، حجبت الأوضاع في اليمن أجندة الشاب الذي أعاد ترتيب أولوياته بحسب الواقع، ويسرد لبلينكس "كنت واثقاً أني سأحقق حلمي، خاصةً وأنا أسعى له وارسم طريقه بثبات". ويضيف "مع استمرار الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية بدأت التفكير بشكل واقعي بأن تخصص علم الفضاء الذي غالباً ما يرتبط بعلم الفلك، غير متوفر في أي جامعة في اليمن، وحينها تدحرج الحلم من القمة إلى القاع".
وتعقدت مهمة الشاب في سنوات الصراع، وقفز حلم إنهاء تعليمه الثانوي إلى قائمة أولوياته، خاصةً مع حرمان مليونين من الفتيان والفتيات من التعليم والالتحاق بالمدارس اليمنية بسبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم.
توالت مشاهد قصة أيمن بعد هروب حلم الفضاء من ذاكرته و صندوقه الأسود وهو ما تؤكده دراسة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بتسرب أحلام الشباب اليمني بعد سنوات من الحرب، حيث أدت العواقب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للصراع إلى إحداث تحوّل في احتياجات وأولويات الشباب في البلاد الذي يعيش معظمهم في "يمن جديد" يختلف عن اليمن الذي سعوا إليه حيث غالباً ما تؤدي السبل الضيقة إلى ساحة المعركة والمزيد من المعاناة.
ويضيف أيمن لبلينكس "شكّل التحاقي بدورة غرافيكس قبل ثلاثة أعوام نقطة تحوّل في طريق الحلم، حيث اكتشفت اتجاه جديد يخلق فضاءً آخر ومختلف لا حدود فيه للحلم، ويناقش ما يحدث على الأرض ونقله إلى فضاءات خيالية وعندها قررت أن أعيد صياغة الحلم من عالم فضاء.. إلى عَالم خيالي".
ويقول إنه بعد اتقان الغرافيكس انتقل إلى الإنتاج ليطوّر لاحقاً مهاراته بدراسة الملتميديا (الوسائط المتعددة) في معاهد عدة في صنعاء، خاصةً وأنها لا تدرّس حتى الآن في أي جامعة حكومية ويقتصر التخصص على الجامعات الخاصة برسومها التي تتجاوز 6 آلاف دولار سنوياً، وهو مبلغ صعب أن يحصل عليه شاب في مقتبل العمر.
وبعد تطوير مهارات الإنتاج بدأ الشاب في البحث عن معاهد لتعليم صناعة الأفلام ويصف لبلينكس "تفاجأت بعدم وجود معاهد متخصصة" ويضيف ساخراً "يبدو أن طموحي يصطدم دائما بعبارة: غير متاح".
وواصل أيمن إصراره على التعلم من خلال متابعة المخرجين في صنعاء، والاستفادة من مهاراتهم، ويسرد أسماء أصدقاء برتبة "أقدار سعيدة" ساندوه في رحلة التعلم بداية مع عمله كمسؤول SET UP تصميم مواقع تصوير وانتهاءً بالإخراج.
ويشرح أن انضمامه لأغنية "الحياة جميلة" مثلت له انطلاقه مهنية وصفها "بالرائعة" بعد أن حققت نجاح شعبي واسع.
تشير البيانات الإحصائية أن اليمن دولة فتية يمثل الشباب دون عمر 30 سنة 75 % من إجمالي السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، ما يعتبرها من أحد البلدان التي لديها أكبر نسبة شباب.
ووفقا للمحللين يمثل الشباب مشكلة وليس فرصة، وقنبلة زمنية ديموغرافية تستخدم كوقود للحرب السياسية، ومحارق للصراع في اليمن.
هذا الواقع والصعوبات دفعت الشاب أيمن إلى التعمق في صناعة الأفلام، لتُـشكّل أول تجربة إخراجية له فارقاً في حياته.
ويلمح صانع الأفلام الشاب لبلينكس إلى الصعوبات التي تواجه الشباب في صناعة الأفلام، وأهمها قلة الوعي بأهمية هذه الصناعة والعوائق الأمنية من إخراج التصاريح والمنع من بيع الإعلانات والأفلام للقنوات الفضائية، والاعتماد على عرضها في منصات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والانستغرام فقط، إضافة إلى شحة الإمكانيات وصعوبة التنقل بين المحافظات بسبب النقاط الأمنية التي تتنفس الموت.
إلا أن كل هذه الصعوبات والتحديات دفعت المخرج الواعد إلى التغلب عليها ووضع قصة وفيلم ملهم من خلال اختيار أفكار خلاقة، والتصوير في أماكن مغلقة أو مناطق بعيدة لتجنب المضايقات، وأحياناً محاولة اقناع المحيط بأهمية التصوير وفكرة الفيلم وارتباطها بالهوية المكانية والاجتماعية للمنطقة.
يفصح أيمن بسعادة لبلينكس عن موعد انطلاق فكرة فيلمه الصامت "FULL"، بعد السماع عن مسابقة عربية للأفلام في ثلاث فئات، الروائية والوثائقية والحركة "الأنيماشن".
ويلخص لبلينكس فكرة الفيلم التي تدور حول حلمه الطفولي بأن يصبح عالم فضاء، وكيف اصطدم الحلم بالواقع المعاش والظروف الاقتصادية الصعبة.
ويتذكر فرحة إخباره أن فيلمه جاء ضمن الأفلام المرشحة للتصفيات، حيث لم يتوقع أن يترشح وينافس ضمن أفلام كبيرة مع مخرجين من جميع الدول العربية.
ويواصل سرده "لم أحظ بدعم، وأنجزت الفيلم بمبلغ بسيط وصادفتني الكثير من الظروف غير المتوقعة التي دفعتني وصديقي إبراهيم المعلمي لإنجاز الفيلم، ولم نتصور أبداً أن ينتهي بنا المطاف للترشح إلى مراحل متقدمة ضمن أفضل عشرة أفلام للتصفيات".
حالياً يستعد أيمن لتحدي جديد بالمشاركة في الموسم السادس للمسابقة العربية "وعي" لإثراء المحتوى الصحي، ويطمح إلى الفوز بالجائزة، لتضاف إلى قوائم الجوائز اليمنية التي حصدها المخرجون الشباب، أبطال فيلم "المرهقون" الذي ترشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، ووضع اليمن على خريطة السينما العالمية.
بالإضافة إلى هذا الفيلم هناك "10 أيام قبل الزفة" الذي حاز على أفضل سيناريو في مهرجان سان دييغو، وفيلم "جديد في صنعاء القديمة"، الحاصل على جائزة المهرجان الدولي في واشنطن، وفيلم "بيت التوت" الحائز على 50 جائزة عربية وأجنبية، وفيلم "الحرب الصامتة"، أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الشتات.
تواجه صناعة الأفلام والسينما في اليمن صعوبات كثيرة في بلد فقير تتعثر فيه صناعة الأفلام بعد ضمور الحركة الفنية، وإغلاق 49 دار عرض سينمائي، منها 40 في عدن جنوب اليمن، و9 في العاصمة صنعاء، بدواعي سلطوية أمنية وسياسية ودينية.
بعض هذه الصالات تحوّل من عرض الأفلام السينمائية إلى عرض أفلام الأسطوانات المدمجة (DVD)، أو عرض مباريات كرة القدم العالمية وقاعات لإقامة حفلات الأعراس، مثل سينما التواهي بعدن، أو جرى بيعها لتهدم وتُشيّد مكانها مراكز تسوق تجاري.
وبالرغم من وجود الكثير من شركات الإنتاج الفني، إلا أن إنتاج الأفلام بالنسبة لها هو آخر اهتماماتها، وتكتفي بالإعلانات والأغاني والأناشيد الدينية.
يُذكر أنه يوجد شركة إنتاج أفلام وثائقية وحيدة على مستوى اليمن.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة