ترفيه
.
"اضطررت طيلة 4 سنوات لاستخدام خزانة الملابس لتسجيل مقاطع صوتية"، كانت هذه الكلمات التي اختارت أن تصف بها "ممثلة الصوت" الشابة التونسية ياسمين الخميري، مشوارها من مجرد مولعة بأفلام الكرتون إلى إحدى نجمات شخصياته.
فصوت ياسمين يصدح في النسخة العربية الرسمية لمسلسل الكرتون الأسترالي-الأميركي "السيرك الرقمي المدهش" The Amazing Digital Circus الذي يعرض على منصة نتفليكس العالمية منذ بداية هذا الشهر ويحقق نسب مشاهدة عالية في تونس.. فمن هي ياسمين أول ممثلة صوت كرتوني تونسية، وكيف وصلت للعالمية؟
لم تنتم ياسمين، 21 عاما، إلى جيل التسعينات والثمانينات الذي يطلق عليه "الجيل الذهبي" أو "أبناء الزمن الجميل" أو "جيل الطيبين" الذي تعلّق بشخصيات أفلام ومسلسلات الكرتون وأصواتها الساحرة مثل ماوكلي وكونان وسالي وبيل وسيباستيان.
هذه الفئة العمرية مازالت تحن إلى طفولتها وتحلم بالعودة إلى الوراء، ويظهر ذلك في تونس، خاصة من خلال النجاح الجماهيري العريض لحفلات طارق العربي طرقان، مؤدي أغاني شارات الكرتون الشهير.
ياسمين تنتمي إلى جيل جديد أتاح له انتشار الإنترنت فرصة التعرف على صور وهويات الممثلين الحقيقيين الذين يؤدون أصوات شخصياتهم المفضلة، لكن بداية شغفها لم تكن بهذه البساطة.
تقول ياسمين لبلينكس إنها كانت تقضي ساعات طويلة متسمرة أمام شاشة التلفاز في بيت عائلتها بمنطقة بوسالم الفلاحية من محافظة جندوبة شمال غربي تونس، تتنقل بين القنوات التي تعرض أفلام ومسلسلات الكرتون على مدار اليوم، وبفضل هذه العادة اكتسبت مهارة التحدث باللغة العربية الفصحى بطلاقة.
غير أنّ هذا التمايز عن بقية أبناء الجيران جعلهم يرفضون اللعب معها لاعتبارها "غريبة الأطوار" لا تجيد لغتهم ولا تعرف قواعد لعبهم، بحسب قولها.
تقول إنه وبعد محاولات اندماجها الفاشلة في محيطها، اختارت ياسمين العودة إلى عالمها الكرتوني وجعلت من أبطاله وبطلاته من أصدقائها المقربين، مستغنية بهم عن اللعب في الشارع عكس أشقائها وبقية أطفال الحي.
تضيف ياسمين الخميري أنها اكتفت في مرحلة الطفولة بالمشاهدة والاستمتاع والتأثر بهذا المرح البسيط إلى جانب مواصلة التحدث بالعربية، وأحيانا تقليد بعض الأصوات، غير أن الصدفة ستلعب دورها في مسار حياة ياسمين.
في أواخر العام 2019، دخل التونسيون إلى جانب كل شعوب العالم تقريبا في حجر صحي صارم ومطوّل على خلفية انتشار فيروس كورونا، حيث أغلقت المدارس أبوابها وعُزل الطلاب لأشهر طويلة، ما تسبب حينها في ضجر المراهقين والشبان من روتين حياتهم الجديد الذي كان للنوم النصيب الأوفر منه.
وكعادتها المتفردة، كانت هذه الفترة فرصة جيدة بالنسبة لياسمين التي استغلت المرحلة الأولى من مكوثها في البيت في البحث عن تطبيقات ذكية تساعدها على تسجيل صوتها.
ثم بدأت الشابة في تجربة دبلجة بعض المقاطع المضحكة والظريفة لمسلسلات شهيرة باللهجة التونسية، وللإشارة فإن كل أفلام الكرتون التي عرضها التلفزيون الرسمي في تونس منذ عقود مدبلجة للعربية الفصحى بأصوات ممثلين معروفين خاصة من سوريا ولبنان والأردن إذ لم تنتج الشركات المحلية أي عمل من هذه الفئة باللغة المحلية، وفق ياسمين.
وبمجرد أن نشرت الشابة هذه المقاطع المسجلة بصوتها الطفولي المميز، ارتفع عدد متابعيها على منصات التواصل الاجتماعي بشكل لم تصدقه، إذ لم تكن على يقين أن شغفها قد يكون مثيرا لإعجاب الجماهير من مختلف الجنسيات، وتواترت الاقتراحات من "الأطفال الكبار" بتسجيل بعض المقاطع لشخصياتهم المفضلة حتى بلغ عدد متابعيها على كل المنصات إلى مئات الآلاف.
انتشار صوت ياسمين على السوشيال ميديا دون تعرّف المتابعين على هويتها الحقيقية، أثار حولها فضولا يشبه ما عاشه جيل التسعينات والثمانينات الذي لم يعرف الأسماء الحقيقية التي تقف وراء الأصوات الساحرة، ويبدو أن هذه الخطة غير المدروسة من ياسمين كانت سببا آخر في حصد الإعجاب.
وبفضل ذلك صارت الشابة تُدعى من قبل "الأصدقاء الإلكترونيين" المولعين بالدبلجة والتمثيل الصوتي للقيام ببعض الأدوار، وهي صيغ غير رسمية ينفذها الممثلون الموهوبون لمسلسلات عالمية وتُنشر على منصة يوتوب.
الملفت في تجربة ياسمين أنها صارت معروفة في عالم أصوات الكرتون، لكنها لم تكن تملك ميكروفونا ولا سماعات ولا غرفة عازلة للصوت.
توضح ياسمين لبلينكس أنها كانت تملك جهاز هاتف ذكي تستعمله في القيام بمراحل التسجيل والمونتاج والتصوير أحيانا، أما بالنسبة للاستوديو فكانت خزانة ملابسها مكانها الأنسب، إذ تضع رأسها تحت عدد من الأغطية وتدخل "غرفتها العازلة" لتتمكن من الحصول على نوعية صوت جيدة لا يظهر فيها الصدى.
تضيف ياسمين أنها حاولت الحصول على معدات بمواصفات معينة لم تكن متوفرة في الأسواق التونسية، لكنها فشلت لأن محيطها العائلي لم يأخذ شغفها على محمل الجد، واعتبروه لسنوات مجرد لهو.
تجاهل المحيطين لموهبة ياسمين، دفعها لمزيد من البحث لتطوير شغفها، فهي تعتقد أنها في حاجة إلى تدريب وتكوين في حين أن هذا التخصص غير متوفر في بلادها.
وتقول إنها وفي مغامرة جديدة قررت التواصل مع فؤاد شمص، الممثل اللبناني القدير صاحب الصوت الأسطوري لناشيونال جيوغرافيك، ومؤدي شخصية باتمان وغيرها، وذلك عبر تطبيق انستغرام، لأن شمص كان يقوم بورش تدريب في الأداء الصوتي في تونس، غير أن امكانيات ياسمين وانشغالها بالدراسة منعاها من التنقل من بوسالم إلى العاصمة.
وبضربة حظ أخرى تلقت ردا سريعا من "معلمها" شمص الذي يواصل تدريبها وإرشادها منذ أشهر عن بعد، وهي تعتبر نفسها من أكثر الناس حظا لتلقيها دعما من أحد الأيقونات في هذا المجال.
قبل نحو سنة، تواصل مخرج عربي مع ياسمين، وطلب منها تسجيل مقطع لشخصية كارتونية، فقامت بذلك معتقدة أنها ستشارك كالمعتاد في أحد أعمال المعجبين غير الرسمية.
إلا أنها تفاجئت عند إخبارها أنها ستقوم بدور البطولة لشخصية بومني في النسخة العربية من كرتون The Amazing Digital Circus، حيث تعلق امرأة في عالم افتراضي غريب يحمل طابع السيرك مع خمسة أشخاص آخرين حيث يجبرون على المشاركة في ألعاب يوجهها الذكاء الاصطناعي.
قبل أيام بدأ عرض المسلسل على منصة نتفليكس، وحصد نسب إعجاب ومشاهدة عالية.
غير أن المشاهد لم يكن يعرف أن ياسمين حصلت أخيرا على ميكروفون من أحد الأقرباء بسويسرا، لكنها اضطرت لاستعارة حاسوب شقيقها والتوسل لتسجيل الحلقات باستوديو دار الشباب الرسمي ببوسالم، كما تقول لبلينكس.
وبفضل هذا النجاح الجماهيري ينتظر أن ينطلق الفريق في تسجيل حلقات جديدة من المسلسل في ديسمبر المقبل، غير أن ياسمين انتقلت للعيش في سكن جامعي بالعاصمة ما قد يتيح لها فرصا أخرى لتذليل العقبات ورسم مستقبلها الذي تأمل أن يكون باهرا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة