ترفيه‎

الجريمة تصبح إعلانا.. هل تتحول جواهر اللوفر إلى "موناليزا جديدة"؟

نشر
blinx
 & 
حققت سرقة متحف اللوفر ما لم تستطع أي حملة تسويقية أن تفعله: لقد دفعت بجواهر التاج الفرنسي التي طالما أُعجب بها في الداخل، لكنها كانت مجهولة تقريباً على مستوى العالم إلى أضواء الشهرة المبهرة.
بعد أسبوع على الحادثة، ما تزال فرنسا تعاني من جرح في تراثها الوطني، لكن المفارقة أن الجريمة قد تجعل من هذه الجواهر بمثابة "نجم عالمي"، تمامًا كما حدث للوحة الموناليزا عندما سُرقت عام 1911، فتحولت من عمل فني غير معروف على نطاق واسع إلى أشهر لوحة في العالم.

الموناليزا من الظل إلى عالم الشهرة

في ذلك العام، سرق أحد عمال المتحف لوحة ليوناردو دافنشي من مكانها، ولم يُكتشف فقدانها إلا بعد يوم كامل. تصدرت الصحف عناوين العالم، وتوافدت الجماهير لمشاهدة الفراغ الذي خلّفته. وبعد عامين، عندما استُعيدت اللوحة، أصبحت شهرتها تفوق أي عمل آخر في اللوفر، وهو ما يزال قائمًا حتى اليوم.
وهذا هو السؤال المقلق الذي يلاحق سرقة الأحد الأخيرة: هل ستجعل الجريمة، رغم جرحها العميق، ما تبقى من مجوهرات التاج أكثر شهرة من ذي قبل؟
تقول مؤرخة الفن الباريسية أنيا فايرستون، الحاصلة على ترخيص من وزارة الثقافة الفرنسية، لوكالة أسوشيتدبرس "بسبب الدراما والفضيحة والسرقة، من المرجح أن تحظى قاعة أبولو والجواهر المتبقية فيها بأضواء جديدة، وتتحول إلى رموز فنية، تمامًا كما حدث مع الموناليزا بعد 1911".
فايرستون زارت القاعة قبل يوم من السرقة، واعتبرت أن الحراسة لم تكن كافية.

الشهرة عبر السرقة

أشعلت السرقة اهتمام الإعلام العالمي، من الولايات المتحدة إلى أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا، حيث نقلت نشرات الأخبار صور اللوفر وقاعة أبولو والجواهر المفقودة إلى مئات الملايين.
ويرى البعض أن الزخم الإعلامي يفوق حتى الضجة التي تبعت تصوير فيديو بيونسيه وجاي زي الشهير "Apeshit" داخل المتحف عام 2018.
لطالما جذبت مجوهرات التاج البريطاني الخيال الشعبي عبر قرون من التتويج، في حين ظلت نظيرتها الفرنسية في الظل. لكن عملية هذا الأسبوع قلبت المعادلة.
وقد تكون أول رموز هذه الشهرة الجديدة تاج الإمبراطورة أوجيني المرصع بالزمرد، الذي سقط خلال هروب اللصوص ويضم أكثر من 1300 ماسة، وقد يصبح القطعة الأكثر شهرة في القاعة.
يقول ماتيو رويز، زائر إسباني "لم أسمع من قبل عن تاج أوجيني، لكن الآن سيكون أول ما أزوره عند إعادة افتتاح القاعة".

ما هي الكنوز التي لا يعرف عنها العالم؟

من بين الكنوز التي لم تُمسّ في عملية السرقة ألماسة الريجن، والسانسي، والهورنتسيا، وما زالت تلمع خلف الزجاج. وتؤكد السلطات أن قطعة مرصعة أخرى، بخلاف تاج أوجيني المتضرر، قد استُعيدت بهدوء، دون الإفصاح عن هويتها.
لم تقلل السرقة من إقبال الجمهور على المتحف؛ إذ أعيد افتتاح اللوفر الأربعاء وسط ازدحام هائل، رغم أن الجواهر ما زالت مفقودة واللصوص فارين. قبل السرقة، كان المتحف يستقبل نحو 33 ألف زائر يوميًا، ويحذر الموظفون الآن من صعوبة التعامل مع موجة الزوار الإضافية، خاصة مع إغلاق قاعة أبولو وتشديد الإجراءات الأمنية.

الجواهر تمثل تاريخ فرنسا نفسه

لا تمثل الخسارة مجرد أحجار كريمة قيمتها تفوق 100 مليون دولار، بل صفحات مطموسة من السجل الوطني الفرنسي. فقاعات أبولو تعدّ سجلًا بصريًا لتاريخ البلاد، من احتفالات آل بوربون إلى إمبراطورية نابليون، وصولًا إلى فرنسا الحديثة.
تقول فايرستون "هذه الجواهر هي الكلمة الأخيرة للّوفر في لغة الملكية، صدى لامع لملوك وملكات عبر العصور، وليست مجرد زينة بل فصول من التاريخ الفرنسي".
ووصف وزير الداخلية لوران نونيز السرقة بأنها "خسارة تراثية لا تُقاس"، بينما أكد المتحف أن قيمتها التاريخية "لا تُقدّر بثمن". ويرى كثيرون أن ما حدث كشف عن خلل أمني مذهل. تقول ناديا بن يمينة، صاحبة متجر في باريس تزور القاعة شهريًا "من الصادم أن مجموعة صغيرة تمكنت من تنفيذ العملية في وضح النهار. كانت هناك إخفاقات، وكان يمكن تجنبها، وهذه هي الجراح الحقيقية".
تشير التحقيقات إلى أن اللصوص استخدموا رافعة سلالم للصعود إلى الواجهة المطلة على نهر السين، وفتحوا نافذة بالقوة، ثم حطموا صندوقي عرض وفروا بدراجات نارية خلال دقائق.
أطلقت أجهزة الإنذار، ما استدعى الحراس وأجبر المهاجمين على الفرار. وشملت المسروقات أطقمًا ملكية وإمبراطورية مرصعة بالياقوت والزمرد والماس، منسوبة إلى ماري أميلي، هورتنس، ماري لويز، والإمبراطورة أوجيني.
وفي جلسة أمام مجلس الشيوخ، اعترفت مديرة اللوفر لورنس دي كار بوجود “إخفاق فادح”، مشيرة إلى ثغرات في تغطية الكاميرات الخارجية، واقترحت وضع حواجز للمركبات ونقطة شرطة داخلية. وقدمت استقالتها، لكن وزيرة الثقافة رفضتها، بينما تعالت التحذيرات سابقًا من نقص الموظفين والضغط السياحي المستمر.

حشود لرؤية ما لم يعد موجودًا

خارج القاعة المغلقة، يتوافد الزوار لمشاهدة "المكان الذي وقعت فيه السرقة".
يقول توبياس كلاين، 24 عامًا، طالب عمارة "جئت لأرى الموقع. الحواجز تبعث القشعريرة، والناس ينظرون بدهشة وفضول". أما الفنانة روز نغوين، 33 عامًا، فتقول "الجواهر صارت أشباحًا، لكن الأمل باقٍ في العثور عليها. إنها الجاذبية الغامضة نفسها التي أحاطت بالموناليزا بعد 1911، القصة تصبح جزءًا من القطعة".
ويحذر القيّمون من أن إعادة صقل الجواهر أو صهرها ستكون جريمة ثانية، لأن الأصالة تكمن في التصميم وصنعة الصائغ وسلسلة الحيازة التي تمتد عبر التاريخ وحتى السرقة نفسها.
ويبقى السؤال: هل سيحول هذا الفقدان المؤلم الجواهر المفقودة إلى أسطورة جديدة؟
تقول فايرستون ختامًا "في الاقتصاد الغريب للشهرة، حتى الأخبار السيئة تجذب الانتباه، والانتباه يصنع الأيقونات".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة