تحكي عائشة حسين، زوجة طالب عن نزوحها المتكرر قائلة "بدأ كل شيء مع اكتمال السد في عام 1985. ومنذ ذلك الحين تم اقتلاعنا مرارا وتكرارا". وتضيف "لا يمكننا الاستمرار في العيش على هذا النحو. لقد فكرت كثيرا في إغراق نفسي في المياه التي غمرت تراثنا، قريتنا".

أخذ التهجير الأول سكان قرية الجساري من موطنهم الأصلي إلى منازل جديدة في بلدة قريبة تدعى البردية، وهي ذات الأغلبية الكردية. لكن هذه الخطوة، التي كانت عبارة عن حملة تعريب تحت قيادة الرئيس الراحل صدام حسين، انتزعت من العراقيين الأكراد أراضيهم.

وبغزو الولايات المتحدة العراق العام 2003، عاد الأكراد للمطالبة باسترجاع أراضيهم.

يقول طالب إن الأكراد رجعوا و "طالبوا بإعادة الأرض التي أعطتنا إياها الحكومة... اضطررنا إلى المغادرة، رغم أنه لم يكن لدينا مكان نذهب إليه ورغم أننا كنا سعداء في البردية. كانت هذه أرضهم ونفهم ذلك جيدا".

بعد مغادرة طالب وأهل الجساري للبردية الكردية، وجدوا المجمع العسكري الخالي بقرية دوميز واستقروا به إلى غاية 2014، حيث استغلوا غياب الحكومة العراقية عقب الغزو الأميركي.

على طوال الفترة التي قضوها بالمجمع، لم يتوقف طالب عن طلب الحكومة بالمساعدة في بناء منازل دائمة، ويقول طالب إن أحدا لم يتدخل.

على مدار عام ونصف، حاول الجيش طرد جميع العائلات، لكن "هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها الأمر جادا"، يقول الدكتور حيدر الموسوي، الذي يعمل مع منظمة نماذج السلام وكمفاوض بين مجتمع الجساري والحكومة.

يعد الأمر جادا لأن طالب وسكان قريته أجبروا على توقيع إشعار الإخلاء الذي اقترب موعده الذي حدد في شهر يونيو، لكن العديد من النازحين رفضوا التوقيع وهم على استعداد لرفع السلاح ضد الحكومة.

يخشى الدكتور الموسوي "أن يكون هناك عنف. سيحمل الناس السلاح ضد الحكومة لأنهم يائسون. قال البعض إنهم يفكرون في العودة إلى البردية، لكن هذا قد يؤدي إلى اشتباكات أعنف مع المجتمع الكردي".

لا تزال البردية، التي تبعد حوالي نصف ساعة بالسيارة من المجمع العسكري، منطقة متنازع عليها بين العراق والمنطقة التي يديرها الأكراد.

يقول الموسوي: "نحن نضغط على الجيش لوقف حملة الإخلاء في مجمع دوميز حتى نتمكن من العثور على مانح لإعادة بناء الجساري"، مضيفًا أن المسؤولية يجب أن تكون على عاتق الحكومة العراقية.

وخلال هذه الأثناء، يرى طالب وعائلته أنهم يواجهون كارثة إذ من المرجح أن يدخلوا عقدهم الخامس بلا مأوى من جديد.

سد الموصل هو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في العراق كما أنه يحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط من ناحية حجمه. تستعمل مياه السد في الشرب والزراعة كما توفر الطاقة الكهربائية لأكثر من مليون شخص بالعراق. ويصل مخزون سد الموصل إلى 12 مليار متر مكعب.

يعد سد الموصل من أكبر السدود بالعراق كما أنه الأخطر كذلك لأنه أنشأ على تربة هشة تحتاج إلى حقن الخرسانات بشكل دوري.

من خلال ورقة بحثية قدمتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تبين ان بنية السد ليست صلبة لأنه شيد فوق أرض جبسية تضعف عند تعرضها للماء تاركة تجاويف في الجزء السفلي، مما يستوجب ملء هذه التجاويف باستمرار بمادة الجبس وبكميات قدرت في 2007 بمائتي طن سنويا.

وخلال حرب العراق، تم إهمال السد بسبب غياب صيانات الدولة مما جعله أكثر عرضة للانهيار.

في حالة وقوع ذلك، فستؤدي مياه السد إلى فيضان بارتفاع 100 متر كما ستغمر المياه مدينة الموصل ومدن وادي دجلة مخلفة الملايين من القتلى. لن تتوقف المياه هناك، بل ستصل إلى بغداد في غضون أربعة أيام وستغمرها خمسة أمتار من المياه، حسب مركز ويلسون للبحوث.

هناك تقارير صادرة عن مجموعة مهندسين بالجيش الأمريكي تفيد بأنه تم تركيب أدوات مراقبة حساسة لاكتشاف حركة السد. وكشفت أجهزة الاستشعار حركة بخمسة مليمترات في أماكن مختلفة. تقول التقارير أنه بالرغم من الحركة المليمية لبنية السد، فذلك يعتبر تهديدا ينذر بوقوع كارثة في المستقبل.

كانت المشاكل والأخطار التي يشكلها السد معروفة قبل وقت تشييده في الثمانينات، إذ حذر مجموعة من الباحثين أن طبيعة الأرض غير ملائمة لمشروع بهذا الحجم، بحسب موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

لكن المهندسين العراقيين قرروا تنفيذ المشروع عندما وجدوا أن حقن الخرسانات قد يقلل من هشاشة التربة.

هناك حلول أخرى يقترحها تقرير مركز ويلسون للأبحاث لكن هذه الحلول تظل باهظة الثمن وأحيانا أخرى غير قابلة للتنفيذ لأن المعدات اللازمة لذلك غير متوفرة ويستوجب تصميمها وصناعتها لتحقيق مثل هذا الإنجاز الهندسي.