بيئة
.
يبدو الأخطبوط المخادع كاسبر المكتشَف حديثاً في هاواي كالشبح الطيب من فيلم Ghostbusters الهوليودي. بلون أبيض شفاف كالأطياف الخيالية تعيش هذه الفصيلة في قاع المحيط بجوار كم هائل من الكائنات الحية المجهولة بالنسبة للبشر.
في الواقع، اكتشف العلماء حديثاً 5 آلاف مخلوق في أعماق البحار لم تكن معروفة من قبل. بعضها له شكل صمغي يشبه الموز المقشر جزيئاً كالسنجاب الصمغي شديد الصفار، وبعضها من الإسفنجيات الزجاجية المتشبثة بقاع البحر يشبه ثريات الإنارة المعلقة رأساً على عقب.
على قدر ما أثار هذا الاكتشاف السرور في المجتمع العلمي، لكنه دفع العلماء للقلق. فما القصة؟
لفترة طويلة كان الاعتقاد السائد هو أن قاع المحيط يشبه الصحراء إلى حد ما، "لكننا الآن نفهم أن هناك بالفعل كميات هائلة من التنوع البيولوجي في تلك السهول السحيقة" بحسب ما نقلت واشنطن بوست عن جوليان جاكسون، كبير مديري إدارة المحيطات في Pew Charitable Trusts التي موّلت الورقة البحثية.
الاعتقاد السائد في وقت سابق أن الأعماق السحيقة للمحيطات أشبه بالصحاري. أ ف ب
لذلك يثير الاكتشاف العلمي الأخير قلق المجتمع العلمي حيال الأثر المدمر لعمليات التعدين واستخراج المعادن النفيسة، على التنوع البيولوجي في قاع المحيط ويعتبرون أن الكائنات المكتشفة حديثاً مثل الأخطبوط كاسبر في خطر.
هذا الأمر دفع أكثر من 700 خبير في العلوم والسياسات البحرية للدعوة لوقف موافقات التعدين لحين الحصول على معلومات علمية كافية وقوية عن أثر هذه الأنشطة، لأن المعلومات المتوفرة حيال أضرار التعدين حتى اللحظة قليلة جداً سواء على الحياة البحرية في الأعماق أو إطلاق الكربون المخزن في القاع أو وضع أعمدة من الرواسب في الماء.
ما زاد من تلك المخاوف هو أن مواقع اختبار التعدين السابقة أظهرت علامات قليلة على التدمير البيئي ومن المتوقع أن تحتاج لعقود حتى تعافى مجددا.
على بعد كيلومترات في أعماق المحيط، يكتسي القاع بما يشبه حبات البطاطا داكنة اللون، بحسب تعبير الصحافي البيئي دينو غراندوني. كل حبة هي عبارة عن صخرة غنية بالمعادن تكونت بعد هبوط رواسب للقاع مثل سنّ سمكة قرش أو قوقعة بحرية وتراكمت فوق تلك الرواسب طبقة من العناصر المعدنية الذائبة في مياه البحر على مدى ملايين السنين. في قاع المحيط توجد حقول كاملة من تلك الرواسب المعدنية بحجم البطاطس تسمى "العقيدات متعددة المعادن".
تنظر الشركات الكبرى لهذه الصخور كثروة طبيعية وكنز غير مدفون جالس في قاع البحر في انتظار مَن يجمعه، خاصة شركات تصنيع السيارات الكهربائية والبطاريات وغيرها من المواد الخام الرئيسية للاقتصاد منخفض الكربون.
مشه من نفس المكان للشعاب المرجانية، تظهر الأثر المدمر للتغير المناخي في جزر عيد الميلاد بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠. أ ف ب
المفارقة أن تلك الشركات تقول إنها تهدف للحفاظ على البيئة وحماية الكوكب من الاحتباس الحراري عبر خلق بدائل صديقة للبيئة وغير منتجة لانبعاثات الكربون الضارة، لكن في نفس الوقت يشكل سعيهم للحصول على المعادن الضرورية لصناعة البطاريات من باطن المحيطات تهديداً للبيئة والتنوع البيولوجي وما يحمله ذلك من خطر على المناخ.
البحث الذي أجراه فريق بقيادة متحف التاريخ الطبيعي في لندن نشر في مجلة Current Biology العلمية المرموقة بعد تحليل نحو 100 ألف سجل من سنوات الرحلات البحرية البحثية لأخذ عينات من الكائنات القاطنة في تلك المنطقة لدراسة التنوع البيولوجي.
استندت تلك البعثات لنمطين من البحث في دراسة عمق المحيط، الأول هو إرسال صناديق للقاع على بعد أكثر من ثلاثة كيلومترات وسحبها كما في ألعاب التقاط الدمى من صندوق زجاجي في المدن الترفيهية. والثاني هو إرسال مركبات تحت الماء يتم التحكم فيها عن بعد لالتقاط صور الكائنات الحية المختلفة.
الفريق البحثي عثر على كائنات حية يتراوح عددها بين 6 إلى 8 آلاف كائن حي، منها 5 آلاف جديدة تمامًا. أ ف ب
نتيجة البحث هي أن الفريق البحثي عثر على 6 آلاف إلى 8 آلاف كائن حي، منها 5 آلاف جديدة تمامًا. وعزز من تطور بعض الكائنات البحرية في تلك المنقطة الأعماق الشديدة والظلام اللذان يكسيان منطقة كلاريون كليبرتون.
"تُبرز هذه الدراسة حقا كيف أن هذا الجزء من كوكبنا وهذا الجزء من محيطنا يقعان خارج ما نعرفه من حيث مقدار الحياة الجديدة الموجودة هناك" هكذا نقلت صحيفة واشنطن بوست عن بروفيسور علوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا دوجلاس ماكولي حول ورقة علمية جديدة صدرت يوم الخميس الماضي حول الكائنات الحية في منطقة بحرية شاسعة تدعى كلاريون كليبرتون في المحيط الهادئ.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة