بيئة
.
إذا سمعت كلمة القطب الشمالي فأول ما سيخطر ببالك هو جبال الجليد وطبقات الثلوج البيضاء التي تكسوا المنطقة منذ مئات آلاف السنين. قد يبدو اختفاء تلك الثلوج من الأمور التي يستحيل تصورها في الوقت الحالي، لكنه ليس سيناريو بعيد.
وفقاً لتقديرات علمية جديدة، من المتوقع أن يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الثلوج في أشهر سبتمبر من ثلاثينات القرن الحالي، حتى ولو خفضنا من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري. هذا السيناريو يعتبر كرة ثلج كارثية تنمو بشكل متدحرج في رفع حرار الكوكب.
الدببة القطبية الشهيرة ليست فقط السبب الوحيد لأهمية القطب الشمالي. فالمنطقة المتجمدة تلك تعتبر أضخم جهاز تكييف طبيعي للكوكب بحجم 14,06 مليون كيلومتر مربع، وتعمل على توازن درجة حرارته واستقرار فصول السنة كما نعرفها، ما يساعد في أن تزدهر الحياة على الأرض. كما يساعد لون الجليد الأبيض في المحيط المتجمد الشمالي على عكس أشعة الشمس نحو الفضاء، ما يحافظ على اعتدال حرارة الكوكب.
لذلك، يشكل فقدان الجليد البحري خطراً كبيراً على الأرض، بحيث سترتفع درجة حرارة القطب الشمالي بشكل أسرع وسيمتص كميات هائلة إضافية من الطاقة الشمسية، ما سيرفع من حرارة الكرة الأرضية كاملة وسيقوض إمكانية استعادة الطبقة الجليدية وتكونها مرةً أخرى، بحسب توقعات علماء مناخ في تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست.
ويؤثر الأمر أيضاً بشكل كبير على الثروة السمكية في المنطقة وحول العالم، في وقت يؤدي فيه التغير المناخي بالفعل لرفع درجة حرارة المحيطات وزيادة حمضية المياه ما يدفع لفقدان التنوع السمكي ويهدد البيئات البحرية كالشعاب المرجانية التي تعتبر موطناً حيوياً للأسماك.
في كل عام، يتغير حال المحيط الشمالي بحيث يزيد حجم الجليد البحري فيه في فصول الشتاء ليزحف نحو الجنوب ويغطي بحار شمال أميركا الشمالية وروسيا وغرينلاند والسويد وفنلندا والنرويج وآيسلندا. وفي الصيف ينحسر ذلك الجليد بمقدار معين، لكنه يعاود التمدد في الفصول التالية.
على مدار العام، يدور جليد المحيط الشمالي باتجاه عقارب الساعة في منطقة بحر بوفورت شمال ألاسكا الأميركية ما يسمح لبعض الجليد بأن يصبح أقدم عمراً وبالتالي أكثر سمكاً وصلابة، وهو ما يجعل من تلك المنطقة "حضانة أطفال" للجليد تساعده على الكبر. ومن ثم يخرج الجليد من مدار بوفورت ليزحف باتجاه مضيق فرام شرقي جرينلاند ويشكل طبقات جليدية أقل سمكاً من حوله.
في الماضي القريب، مثل 1984، حظي القطب الشمالي بما يكفي من النمو الجليدي من حيث الحجم والعمر ليكفي للنجاة وتجديد مخزون الجليد في المحيط بعد أشهر الصيف الحارة التي تعمل على حسر المنطقة الجليدية. لكن على مدار العقود الثلاثة الماضية، استمر التدهور وفقدان الجليد في المنطقة بشكل تدريجي على نحو يهدد الاستدامة الجليدية في القطب الشمالي. وقد وضحت وكالة ناسا للفضاء ذلك التدهور في رسم تصويري يقارن تغير حال المنطقة بين الأعوام 1984-2020.
الحال اليوم هو نسبة ذوبان أكبر للجليد في فترة الصيف في المحيط المتجمد الشمالي، وسط فقدان مدار بوفورت قدرته على تعويض الجليد الزاحف نحو الجنوب باتجاه مضيق فرام. الجليد الجديد الذي ينتج في بحر بوفورت اليوم هو أكثر تفتتاً كقطع متناثرة، بينما يذوب الجليد القديم في ذلك البحر ليجعل منه "مقبرة" بدلاً من حضانة.
هذا يعني أن الجليد القديم في القطب الشمالي ذو اللون الأبيض الفاقع والذي يبلغ عمره أكثر من خمس سنوات أصبح منقرضاً تقريباً. بينما يغطي المنطقة الآن جليد أصغر سناً وأكثر نحافة.
لذلك، في يوم الثلاثاء الماضي، حذرت دراسة أكاديمية جديدة منشورة في مجلة Nature العلمية المرموقة من أن الجليد قد يختفي من المحيط في أشهر الصيف بدءًا من ثلاثينات القرن الجاري إذا استمرت نسبة الانبعاثات الكربونية الحالية والمتزايدة الناتجة عن الأنشطة البشرية.
وأبدى العلماء من كبرى جامعات كندا وكوريا الجنوبية وألمانيا تشاؤمهم الحاد من حتمية اختفاء الجليد أو تناقصه ليغطي نسبة أقل من مليون كم2 في المحيط الشمالي من أصل 14 مليون كم2 حتى في سيناريو خفض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير. ففي حال نجح البشر في المحافظة على نسبة احترار الكوكب لتكون أقل من درجتين، فإن المحيط المتجمد الشمالي سيكون بلا جليد في صيف عام 2050 فصاعداً.
مؤلفو الدراسة قاموا بتحليل سنوات من رصد الأقمار الصناعية لجليد القطب الشمالي ومقارنتها بعشرة نماذج مناخية موجودة. وأظهرت صور الأقمار الصناعية خسارة أكبر في جليد القطب الشمالي مما توقعته النماذج المناخية الموجودة، مما ينذر بمعدل انخفاض أسرع وقرب البشرية من حافة نقطة اللاعودة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة