بيئة
.
أنتاركتيكا، المعروفة بأنها الموطن الوحيد لـ"البطريق الإمبراطور"، وكذلك بظروفها المناخية القاسية وتشابهها الكبير مع الظروف المناخية لكوكب المريخ، كانت النموذج المثالي بالنسبة لمجموعة من العلماء الروس لبدء تجربة زراعية، اعتبروها بمثابة "بروفة" لغزو المريخ.
نجح الفريق العلمي في زراعة وإنتاج ثمار البطيخ للمرة الأولى دون تربة أو شمس أو حشرات لتلقيح النباتات، بجانب انخفاض الضغط الجوي والأكسجين في المنطقة.
فما القصة؟ ولماذا تعطي هذه النتيجة أملاً للعلماء في استعمار الكواكب خارج الأرض؟
مطلع أغسطس، يعلن معهد بحوث القطبين الشمالي والجنوبي في سانت بطرسبرغ الروسية إكمال علماء البعثة الروسية رقم ٦٨ لأنتاركتيكا، نجاح التجربة الأولى لزراعة البطيخ في محطة فوستوك بالقطب الجنوبي، أبرد مكان على وجه الأرض. أجريت تلك التجربة بالمشاركة مع معهد البحوث الفيزيائية الزراعية الروسي، ومعهد المشكلات الطبية الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية.
الفريق العلمي الروسي نجح في استنبات ٨ ثمرات من البطيخ في المحطة الروسية القطبية المقامة على هضبة جليدية على ارتفاع 3 آلاف و488 مترا فوق مستوى سطح البحر، في تجربة استغرقت 103 أيام. ثمار البطيخ كان حجمها صغير نسبياً، لا تتجاوز 13 سنتيمترا، ولا يزيد وزنها عن كيلوغرام واحد لكل ثمرة، لكن طعمها مشابه للبطيخ المتوفر في المنازل، بحسب الطاقم البحثي.
زراعة تلك النبتة الصيفية جاء دون تربة من الرمال أو الطين، باستخدام تقنية تعرف باسم panoponics، حيث قام الفريق بتجهيز ظروف مواتية للنباتات من حيث درجة حرارة الهواء، ومستوى الرطوبة، واستخدمت مادة بديلة للتربة، مع أسمدة زراعية ومحاليل مغذية، وإضاءة اصطناعية قريبة من لون ضوء الشمس.
العلماء الروس اختاروا أنواعا من البطيخ يمتلك قدرة عالية على التكيف مع الضغط الجوي المنخفض ونقص الأكسجين. بدأت عملية الزراعة في بداية شهر إبريل، وبدأت عمليات تلقيح النباتات يدوياً بنهاية مايو، وفي يوليو تمكنوا من تذوق طعم تلك الثمار.
زراعة البطيخ في القطب الجنوبي كانت جزءاً من تجربة علمية بدأت في فبراير من العام 2020 في محطة فوستوك الروسية، ونجحت أولى مراحلها في تطوير نظم لزراعة 80 نوعا من محاصيل الخضروات. ففي الموسم الماضي، نجح الفريق العلمي بزراعة 28 كيلوغراما من الطماطم، و9 كيلوغرامات من الفلفل على مساحة كيلومتر مربع، بالإضافة لبعض للجرجير، والملفوف، والخردل، واللفت، والخس، والبقدونس، والريحان، والسبانخ.
القارة المتجمدة الجنوبية معروفة بـ"البطريق الإمبراطور"، وصارت الآن معروفة بأنها مكان أول تجربة زراعية. أ ب
أوليغ أورلوف مدير معهد المشكلات الطبية الحيوية الروسي يقول إن أحد الأمور المهمة في تلك التجربة هي المساهمة في "تشكيل الظروف المعيشية للأشخاص في الأنظمة المغلقة في محطات الفضاء المستقبلية على القمر والكواكب الأخرى". ويضيف أورلوف هذا الأمر ينطوي على شقين الأول هو النجاح وبكفاءة عالية في إنتاج ثمار الفاكهة والخضروات في أشد الظروف المناخية قسوة مثل نقص الأكسجين وتدني درجات الحرارة وانعدام التربة الزراعية الصالحة.
ويشير معهد بحوث القطبين الشمالي والجنوبي إلى أن المنظومة التي توصل إليها الفريق أثبتت كفاءتها بمرتين تقريباً عن "الدفيئات الزراعية الحديثة" التي تستخدم الزراعة المائية مع الإضاءة وظروف المناخ الاصطناعية. بينما يقول أندريه تيبلياكوف، العالم الجيوفيزيائي في المعهد إن الأدوات التكنولوجية التي طورها الفريق سهلة الاستخدام على غير الباحثين بحيث "يمكن حتى استخدامها في كافتيريا المدرسة".
الشق الثاني لتجربة البطيخ، فهو الفائدة السيكولوجية والعاطفية للفريق الذي قام بتطوير وإنتاج تلك الثمار في ظروف حياة قاسية تسودها العزلة عن العالم الخارجي والسكن في أماكن ضيقة وشبه مظلمة، وبالتالي "أعطتهم الزراعة هدفاً لتمضية الوقت ومراقبة التقدم والنجاح في مشروع مرح، ما يحدث مع تربية طفل أو حيوان أليف".
يقول تيبلياكوف "بطبيعة الحال، كان جميع المستكشفين القطبيين سعداء بتذكر طعم الصيف، ومراقبة البذور وهي تنمو لتتحول إلى ثمار، كل هذا جلب مشاعر إيجابية"، وما زاد من فرحة نجاح التحدي هو كون "نبتة البطيخ مزاجية" بحسب تيبلياكوف، وهو ما جعل المهمة أكثر إثارة للاهتمام بسبب صعوبتها. بينما يقول أورلوف بأن تحسين الحالة المزاجية والنفسية للمستكشفين في القطب الجنوبي يعتبر أمراً هاماً في البقاء والتكيف مع الحياة في محطات الفضاء المستقبلية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة