بيئة

الفيضانات تغرق أوروبا شمالا والنيران تحرقها جنوبا

نشر

.

Muhammad Shehada

شهر يوليو كان الأكثر حرارة على الإطلاق على مستوى العالم منذ بدأ تسجيل الطقس. وفي الوقت الذي سجلت فيه مدينة فالنسيا الإسبانية، جنوب القارة، درجة حرارة تاريخية وصلت لـ٤٧ مئوية، الخميس ١٠ أغسطس، عاش الأوروبيون في الجزء الشمالي من القارة العجوز نقيض ذلك تماماً، حيث قضوا الأسابيع الماضية محاصرين بالأمطار والرياح القوية والغيوم التي غطت الشمس لأيام، وضربت الفيضانات بعض المناطق. فما القصة؟

حر قاتل وفيضانات

دول الاتحاد الأوروبي شهدت تفاوتاً لافتا في الأجواء هذا الصيف، فاليونان وإسبانيا والبرتغال شهدت درجات حرارة قياسية سببّت في بعض المناطق حرائق في الغابات. بينما مرت إيطاليا بالتجربتين في نفس الوقت: حرارة شديدة في بعض المدن وعواصف وأمطار من البرد بحجم كرات التنس في مدن أخرى.

دول وسط أوروبا كسلوفينيا والنمسا وكرواتيا شهدت فيضانات كبيرة وقاتلة أودت بحياة البعض. بينما ضربت العواصف الرعدية شمال أوروبا تحت سماء مليئة بالغيوم وأجواء ممطرة أدت في النرويج، مثلاً، لانهيار سد وحدوث فيضانات أغرقت قرى بأكملها وأحدثت انهيارات في بعض الشوارع.

انهيار أحد سدود النرويج تسبب في فيضانات أغرقت المنازل. أ ف ب

وأصدرت السويد تحذيراً أحمر في مناطق سواحلها الغربية، حيث غمرت المياه أجزاء كبيرة من ميناء مدينة غوتيبورغ، بينما توقع معهد الأرصاد الجوية السويدي هطول كميات قياسية من الأمطار.

أليست البرودة طبيعية في الشمال الأوروبي؟

الصورة المستقرة أن البرودة على مدار العام طبيعية في دول الشمال الأوروبي، كان هذا قبل سنوات. لكن الواقع ليس كذلك. ففي العام الماضي، شهد الشمال صيفاً شديد الحرارة، تخطت فيه درجات الحرار في الدنمارك وبلجيكا والسويد وألمانيا وبريطانيا نحو 35 درجة. وهو ما اعتبر رقماً قياسياً في ذلك الحين.

بينما في هذا العام، كانت درجات الحرارة في دول شمال أوروبا قريبة من معدل 15-20 درجة مئوية في شهر يوليو، بينما أخفت الغيوم الشمس لأيام، وأفسدت الرياح القوية والأمطار الغزيرة أجواء الصيف على شواطئ البحار.

إل نينيو.. حرارة أكثر، برودة أكثر

تقلبات الأجواء المتطرفة في أوروبا تنطوي على سببين رئيسيين. الأول هو التغير المناخي الذي يدفع ظواهر الطقس كالأمطار والعواصف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة لأن تصبح أكثر حدة وفوضوية. والثاني هو ظاهرة إل نينيو التي تضرب الكرة الأرضية هذا العام.

الأحوال الجوية المتطرفة، باتت عنصرا حاضرا في العالم بسبب التغير المناخي والظواهر الطبيعية مثل إل نينيو. أ ف ب

ففي كل عامين إلى سبعة أعوام، تتكرر بشكل غير منتظم الظاهرة المناخية المعروفة ب إل نينيو، والتي تصف احتراراً غير معتاد للمسطحات المائية شرق المحيط الهادئ تستمر ما بين تسعة أشهر وبضعة سنوات.

تؤدي هذه الظاهرة لـ ارتفاع الحرارة إلى مستويات قياسية في أجزاء كثيرة من العالم، كدول حوض البحر الأبيض المتوسط ودول أميركا اللاتينية والهند والجزء الجنوبي من أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا وأجزاءً من أمريكا وكندا.

يتزامن هذا مع برودة شديدة شمالي أوروبا وبعض أجزاء القارة الأميركية الشمالية في أشهر الصيف. أما في أشهر الشتاء، فظاهرة إل نينو تعني برودة أعلى لكن أجواء جافة في الشمال الأوروبي، بينما تتسبب في هطول أمطار بنسب أكبر في الأجزاء الجنوبية.

.. ويأتي بالأمراض كذلك

ظاهرة إل نينيو أيضاً مرتبطة بانتشار بعض الأمراض الفيروسية كحمى الضنك وزيكا والشيكونغونيا، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية في شهر يونيو لإعلان ترقبها لاحتمالية تفشي تلك الأمراض بسبب درجات الحرارة وفقاً لوكالة رويترز.

آخر موجة من تلك الظاهرة حدثت في عام 2016، التي اعتبرها العلماء أكثر السنوات سخونة على الإطلاق.

وقوع ظاهرة إل نينيو يزيد من حدة أعراض التغير المناخي ويفاقم المشاكل الناتجة عنه بشكل أكبر، كحوادث موجات جفاف عاتية في بعض المناطق في حين هطول أمطار غزيرة وهبوب رياح عاتية في مناطق أخرى مسببة فيضانات. بينما يزيد الاحتباس الحراري من حدة تواتر وطول مدة وقوع ظاهرة إل نينو في المستقبل نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العالمية واحترار المسطحات المائية.

حيث تنقل دويتشه فيله الألمانية عن لورنزو لابرادور، وهو مسؤول علمي في منظمة الأرصاد الجوية العالمية التابعة للأمم المتحدة، قوله إن التغير المناخي يزيد من خطورة وقسوة أحداث الطقس المتطرفة وفرص حدوثها، ويفيد بأن معدل درجات الحرارة العالمية هذا العام كانت أعلى 1.5 درجة مئوية عن معدل درجات الحرارة ما قبل الثورة الصناعية عام 1760 وهو ما يعد رقماً مقلقاً في المجتمع العلمي.

هدف باريس

فالهدف الذي حدده مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في باريس عام 2015 كان إبقاء معدل الحرارة العالمية أسفل بكثير من درجتين مئويتين بالمقارنة بما قبل الثورة الصناعية وفي نطاق 1.5 درجة مئوية، عبر خفض الانبعاثات الكربونية من الأنشطة البشرية كحرق الوقود الأحفوري والفحم والغاز وانبعاثات الغازات الدفيئة كالميثان الصادرة عن الأنشطة الزراعية ومزارع تربية الماشية، بالإضافة لخفض أنشطة إزالة الغابات سواء لتوسعة الأراضي الزراعية أو لإنتاج الأخشاب.

تجاوز الرقم الذي حددته اتفاقية باريس المناخية يعني دخول كوكب الأرض في نفق مظلم لا رجعة منه، حيث يعني هذا السيناريو حدوث آثار كارثية كدفع ثلاثة مليارات شخص للمعاناة من ندرة مزمنة في العثور على مياه الشرب، وانعدام في الأمن الغذائي حول العالم، وموجات جفاف وفيضانات كبرى، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات لدرجة تؤدي لاختفاء مدن أو حتى دول بأكملها تحت الماء، بالإضافة لتناقص حاد في الثروة السمكية والحيوانية والنباتية وحدوث موجات هجرة جماعية.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة