بيئة
.
تتكدّس المخلفات البلاستيكية في مكب النفايات في شمال العاصمة صنعاء، لتشكّل جبلاً ساماً تحاول شابة يمنية اختراقه وإعادة تدويره، من عدو يهدد البيئة إلى صديق أخضر بفكرة مبتكرة بتحويله إلى طوب بلاستيكي.
إحصائيات التلوث البلاستيكي المحلي والعالمي زادت مخاوف أمينة بن طالب التي تؤمن أن "الحياة فكرة" تستحق أن ترى النور بحلم أخضر.
فكيف تمكنت الشابة المبتكرة من تنفيذ فكرتها وإعادة تدوير قناني البلاستيك إلى طوب؟ وما هي خطوات تصنيعه والصعوبات التي واجهتها الشابة التي تطمح أن تسهم في جعل اليمن مكاناً أفضل للعيش؟
تفصح أمينة الشابة الثلاثينية لموقع بلينكس عن قلقها لوجود جبل سام من النفايات البلاستيكية المتراكمة بمنطقة "الأزرقين" بصنعاء، والذي يعد أكبر مكب للنفايات في اليمن.
وتستعرض الشابة التي تعمل في مجال ريادة الأعمال وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، أن البداية بمشوارها جاءت بعد قبولها في برنامج القيادات الشابة بنسخته السادسة، والمموّل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2020، والذي تديره مؤسسة تنمية القيادات الشابة، ويسعى لتمكين الشباب والشابات المهتمين بإيجاد حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية، وخصوصاً في المجال البيئي.
وتقول أمينة إن الابتكار صناعة الاحتياج، وإنها لاحظت أن استعمال عبوات المياه البلاستيكية، ذات الاستخدام الواحد، منتشرة بشكل كبير في اليمن، لأنها أقل تكلفة ومتاحة بشكل أكبر من القناني الزجاجية.
توضح أن النفايات البلاستيكية المتراكمة بمنطقة "الأزرقين" تبلغ أكثر من 10 ملايين طن، وتحوّلت المنطقة إلى مصدر دخل للمئات من اليمنيين الذين يغامرون بصحتهم مقابل فرز النفايات ومخاطرها، للإستفادة من بيعها بأقل من دولار للكيلو الواحد، لأربعة مصانع كبيرة التي تقوم بدورها بتصديرها إلى الصين، ودول أخرى لإعادة تدويرها.
أمينة التي شاركت في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ السادس والعشرون (COP26) توضح أن فكرة مشروع إعادة تدوير قناني البلاستيك ترسخت أكثر بعد تعليق تصديرها إلى الخارج بعد تفشي جائحة فيروس كورونا عام ٢٠٢٠، ما تسبب في تراكم أعداد هائلة من القناني البلاستيكية في الطرقات والشوارع وكل مكان تقريباً.
تشرح الشابة الشغوفة بالابتكارات الخضراء، أنها واصلت البحث عن معلومات حول نظام خلط قناني المياه البلاستيكية المعاد تدويرها مع الإسمنت، لإنتاج قوالب الطوب وهو ما اعتبرته الحل الأمثل لمشكلة النفايات البلاستيكية في اليمن.
برأي الشابة اليمنية، فإن هذه الفكرة ستلبي الحاجة إلى مواد لإصلاح البنية التحتية المتضررة للبيوت المدمّرة، وإيجاد وظائف للعاطلين عن العمل، والتقليل من التلوث البيئي الذي شهد ازدياداً بنسبة 89 %، خلال الأعوام الأخيرة، وفق تقرير نشره مركز يمن انفورميشن سنتر بداية شهر أكتوبر 2021.
التقرير لفت إلى أن أكثر مشاكل تلوث النظام البيئي في اليمن، تتلخص في 66 % تلوث بمخلفات البلاستيك، 8 % تلوث مائي، 10 % تلوث هوائي، 7 % تلوث التربة، 9 % ملوثات أخرى لم يتم تحديدها.
وبحسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تبلغ نسبة النفايات العضوية في اليمن، 65 % مقابل 10% نفايات بلاستيكية و7 % من الورق و6 % من المعادن و1 % من الزجاج و11 % من أنواع أخرى.
تفنّد الشابة الطموحة لبلينكس أن مشروعها حل آمن وصديق للبيئة، وبديل لدفن النفايات البلاستيكية في الأرض التي تؤثر على التربة، وتتسبب في احتباس الماء مما يجعل من المستحيل على النباتات أن تنمو بشكل طبيعي.
وتلخص الشابة فكرة مشروع الطوب البلاستيكي في التقليل من مادتين غير صديقتين للبيئة (البلاستيك والأسمنت) الذي يعتبر ملوث شديد الخطورة، حيث تشير الدراسات إلى أن إنتاج الاسمنت يسبب أكثر من 8 % من إنبعاث غازات الاحتباس الحراري حيث يتم التخلص بنسبته واستبداله بنسبة من البلاستيك.
وتستعرض مميزات الطوب البلاستيكي مقارنة بالطوب المصنوع من مواد أخرى، فهو صلب ومتين وخفيف الوزن، وله نفس خصائص العزل الحراري للطوب الأحمر التقليدي، وفق رأي أمينة.
أمينة تشرح لبلينكس أن عملية تصنيع الطوب البلاستيكي تتم عن طريق فرز البلاستيك حسب نوعه، حيث تفصل القناني عن الأغطية، بعدها يُغسل البلاستيك بمواد كيميائية، ويُقطع ويُكسر باستخدام أدوات تكسير خاصة، إلى أن يصل للدرجة المطلوبة من التكسير، ثم يتم استبدال كميات من الأسمنت بمقادير معينة من البلاستيك وخلطه بمواد تساعد على التماسك، ليتم بعد ذلك وضعها بالقوالب الخاصة وتركها حتى تجف لإخراج الطوب بشكله النهائي.
مشروع أمينة المبتكر، انتشرت أخباره بعنوان بديل الطوب التقليدي الأفضل (الطوب البلاستيكي)، وبدأ الناس يفكرون في وضع الفكرة في حيّز التنفيذ.
وتضيف أمينة بسعادة أنها كانت خطوة ناجحة نحو مشاركة هذه الفكرة المبتكرة مع المجتمع بشكل واسع.
وتقول "مؤخراً تم التعاقد معي لصنع 600 طوبة بلاستيكية لبناء دورات مياه عامة في حديقة السبعين بمحافظة صنعاء".
وأوضحت أن المشروع ستموله المؤسسة الدولية للتنمية بالبنك الدولي وتنفيذ مشروع الأشغال العامة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، في إطار مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ، ودعم الأفكار المبتكرة والصديقة للبيئة.
وأضافت أن هذا المشروع سيمهد لفتح خط إنتاجي جديد لصناعة بلاط بلاستيكي يستخدم في رصف الشوارع والمنازل والأماكن العامة.
وتؤكد الشابة الثلاثينية حرصها على إشراك النساء في مشروعها من خلال إعداد وإنتاج الطوب البلاستيكي، وتكليفهن بأدوار إشرافية في بلد لا تحظى فيه النساء بفرص عمل، ويعانين من هشاشة اقتصادية مرتفعة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة