تقاوِم الجفاف.. لماذا يستثمر المغرب في "بذور الأمل"؟

في العام 2021، طور عدد من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية طريقة لحماية البذور من ضغوط نقص المياه خلال مراحل إنباتها.

وللرفع من مقاومتها للجفاف، وضع الباحثون طلاءات طبيعية على البذور تحاكي تلك التي تتكون فوق قشرة بعض البذور مثل الشيا والريحان.

ويعتبر هذا الطلاء مغناطيسا يمتص أي مكونات رطبة تغلف البذور وتوفر لها البيئة المناسبة للنمو.

وتلتف بالبذور طبقة داخلية ثانية تحتوي على كائنات دقيقة محفوظة تسمى البكتيريا الجذرية وبعض العناصر الغذائية التي تساعدها على النمو.

وبتعرضها للرطوبة، تقوم الميكروبات في البذور بتثبيت النيتروجين في التربة، مما يوفر للشتلات سمادًا مغذيًا لمساعدتها على الاستمرار في النمو.

لا تكمن أهمية هذه البذور فقط في قدرتها على النضج من دون مياه غزيرة، ولكن أيضا في إنتاجيتها المرتفعة في ظروف بيئية أكثر صعوبة.

فبينما كان مردود القمح العام الماضي بالمغرب يراوح في المتوسط بين طن إلى طنين لكل هكتار، بلغ 4 أطنان في الهكتار الواحد في قرية مرشوش، وفق تاديسي ديغو.

وسُجلت هذه النتيجة على الرغم من أن مرشوش لم تستفد سوى من حوالى 200 مليمتر من الأمطار، أي نصف معدل الأمطار في الظروف العادية، بفضل أنواع البذور المقاومة للجفاف.

كذلك، ارتفع محصول الشعير من معدل 1.5 طن إلى طنين للهكتار بفضل البذور المقاومة للظروف المناخية القاسية، حسب ما يؤكد الخبير في تطوير زراعة الشعير في منظمة إيكاردا ميغيل سانشيز غارسيا.

تثير هذه الإمكانات الهائلة اهتماما واسعا عبر العالم، في ظل المنحى المتصاعد للتقلبات المناخية، حيث تعمل المنظمة الدولية في 17 بلدا بأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وطُورت أكثر من 300 سلالة واعدة من بذور القمح، نبت معظمها في مختبرات المغرب اعتمادا على تلاقح سلالات مختلفة، ويتم توزيعها سنويا لتستعمل في 90 برنامجا للبذور المقاوِمة للجفاف عبر العالم، وفق ما أفاد مدير الموارد الجينية في "إيكاردا" أحمد عمري.

تُختبر سلالات البذور الواعدة هذه محليا لثلاثة أعوام على الأقل، قبل تسويق الأجود منها، وفي العقد الأخير، حظي أكثر من 70 صنفا من بذور القمح هذه بمصادقة السلطات المختصة في عدة بلدان.

في المغرب، تمت المصادقة على 6 أصناف من بذور الحبوب في العام 2023 والتي تنمو في مناطق مختلفة بالمملكة، وفقا للشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة المغربية.

وعلى الرغم من الترخيص لـ6 أصناف جديدة لبذور القمح والشعير العام الماضي، تظل هذه البذور بعيدة عن متناول المزارعين لـ"غياب منظومة ناجعة للتسويق"، وفق خبراء الفرع المحلي للمنظمة الدولية.

تعرض الأصناف الجديدة بمجرد الترخيص لها على الشركات المتخصصة في تسويق البذور، لكن عرضها للبيع يستغرق 5 سنوات.

يقر مسؤول قسم التطوير في المعهد الوطني للبحث الزراعي، موحا فراحي، بوجود "بطء في منظومة المصادقة على البذور".

ويأسف أيضا لضعف اهتمام القطاع الخاص إذ تفضل الشركات العاملة في هذا الميدان استيراد "بذور أجنبية لضمان أرباح سريعة رغم أنها غير ملائمة للظروف المناخية للمغرب"، موضحا أن المملكة "اختارت تحرير هذا القطاع خلافا لمصر أو إثيوبيا".

ويتسبب تحرير القطاع الزراعي بتفويت أرباح كبرى بالنسبة لبلد يعاني موجات جفاف منتظمة، ويشهد مستوى مرتفعا من استهلاك الحبوب يقدر بحوالى 200 كيلوغرام من القمح للفرد سنويا، أي أكثر بـ3 مرات المعدل العالمي، وفق بيانات رسمية.

ويأمل عمري أن يتم تدارك هذا التأخر مع اعتماد المخطط الزراعي الجديد "الجيل الأخضر" لـ2020-2030 والذي يسعى إلى توسيع نطاق استعمال البذور المقاومة للجفاف.