كشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان أن الماء الصالح للشرب في 17 من أصل 18 منطقة بالمملكة المتحدة ملوث بأكثر من 10 آلاف نوع من المواد الكيميائية الدائمة (forever chemicals)، أو ما يعرف بـ"البيرفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل"، PFAS.
وأظهرت الدراسات أن هذه المواد تسبب مشكلات صحية مثل تلف الكبد، وأمراض الغدة الدرقية، والسمنة، ومشكلات الخصوبة، والسرطان.
ومع تصاعد القلق العام في بريطانيا، دعت شركات توزيع المياه الحكومة إلى فرض حظر على بيع هذه المواد الكيميائية، كما ناشدت الشركات المصنعة بتحمل تكاليف عمليات تنظيف المياه الملوثة، التي قدرتها منظمة ChemTrust البريطانية في 521 مليون دولار أمريكي سنويًا لفترة تمتد إلى 20 عامًا على الأقل.
في هذا السياق، أعرب عالم البيئة الجنائي الدكتور ديف ميغسون من جامعة مانشستر متروبوليتان عن قلقه البالغ من التداعيات الكارثية لهذه الأزمة البيئية.
وأشار إلى أن السلطات تقلل من حجم المشكلة عبر التركيز فقط على عدد محدود من مركبات PFAS أثناء الاختبارات، متجاهلة وجود عشرات الآلاف من هذه المواد الكيميائية التي تتسلل إلى الماء، الهواء، والتربة، وحتى الغذاء.
وتتجلى خطورة هذه التحذيرات في تقرير سابق نشرته صحيفة الغارديان، إذ كشفت عن حوادث متعددة، أبرزها تحذير السلطات في منطقة نهر واير من استهلاك الأسماك المصطادة من الأنهار والبحيرات القريبة من المناطق الصناعية.
وأظهرت التحاليل أن تلك الأسماك تحتوي على مستويات مرتفعة من المواد الكيميائية الدائمة تصل إلى 11 ألف نانوغرام/كغم من الوحل، متجاوزة الحدود الآمنة بكثير.
10 آلاف مادة كيميائية تتدفق مع مياه صنابير بريطانيا (Getty Images)
فأين تستعمل المواد الكيميائية الدائمة؟ وماذا تلوث؟ وأين تتركز بمستويات أعلى؟ وكيف تؤثر في صحة البريطانيين؟
اعرف أكثر
تؤكد وكالة حماية البيئة الأميركية أن المواد الكيميائية الدائمة تنتشر في البيئة، حيث توجد في مياه الشرب، خاصة قرب المواقع الصناعية ومكبات النفايات، إضافة إلى التربة والهواء والغذاء.
تستعمل هذه المواد في منتجات إطفاء الحرائق، مثل الرغوة المستخدمة لمكافحة حرائق السوائل القابلة للاشتعال في المطارات والقواعد العسكرية والمنشآت الصناعية. ويساهم الاستخدام المتكرر لها في تلوث البيئة المحيطة، خاصة المياه الجوفية والتربة.
أما في المنتجات الاستهلاكية والأغذية، تستعمل هذه المواد في صناعة أغلفة الطعام المقاوم للدهون، مثل أكياس الفشار وأغلفة الوجبات السريعة، وكذلك في الأسماك ومنتجات الألبان الناتجة عن مواشٍ تعرضت لهذه المواد.
بالإضافة إلى ذلك، تستعمل في الأثاث المقاوم للبقع، وأدوات الطهي غير اللاصقة، ومستحضرات التجميل، وحتى الأسمدة المستخلصة من النفايات المعالجة، مما يؤدي إلى انتقالها إلى الأراضي الزراعية.
يتميز هذا النوع من المواد الكيميائية بقدرته على مقاومة التفكك في البيئة، ما يؤدي إلى تراكمه في الماء، التربة، والرواسب، وحتى في الأنسجة البشرية والكائنات الحية الأخرى، وفقا لتقرير نشرته الغارديان في فبراير 2023.
تُعد القواعد الجوية الملكية البريطانية من بين أكثر المواقع تلوثا بالمواد الكيميائية الدائمة، حيث تستعمل بشكل متكرر في التدريبات أو الطوارئ، وفقا لتحليل وثائق وزارة الدفاع البريطانية التي كشفت عنها صحيفة الغارديان.
أظهرت التقارير أن مستويات المواد الكيماوية في المياه الجوفية في بعض القواعد الجوية، مثل راف بينسون في أوكسفوردشاير وصلت إلى 7 آلاف و700 نانوغرام/لتر، وهو ما يتجاوز الحد الأقصى المسموح به في مياه الشرب بإنكلترا (100 نانوغرام/لتر) بأضعاف.
وفي القاعدة الجوية لوادينغتون، التي تقع في منطقة تزويد مياه الشرب، سُجِّل تلوث يتجاوز 5 أضعاف الحد الأقصى المسموح به.
في هذا الشأن، عبّر أحد المحاربين القدامى في قاعدة بريز نورتون عن قلقه قائلا: "أخبرونا أن مياهنا آمنة لأنها تأتي من إمدادات خاصة، لكننا نكتشف الآن أن تلك المياه ربما كانت ملوثة بسبب قربها من مواقع التدريب".
وأضاف أن العديد من زملائه يعانون من أمراض خطيرة، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه المواد في صحة الأفراد الذين عملوا في تلك القواعد.
يشير تقرير نشرته وزارة الصحة الأميركية إلى أن التعرض للمواد الكيميائية الدائمة يسبب مجموعة من المخاطر الصحية التي تتنوع بين السرطان والأمراض المزمنة الأخرى. كما أكدت الدراسات وجود علاقة بين هذه المواد وبين ارتفاع مستويات الكوليسترول الضار في الدم، مما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
تشمل التأثيرات السامة لهذه المواد أيضًا تأثيرات في الجهاز المناعي، إذ تُظهر الدراسات انخفاضًا في استجابة الجسم للأجسام المضادة بعد التطعيم، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة للعدوى. كما أن لهذه المواد تأثيرات خطيرة في الكبد، حيث قد تؤدي إلى تلف الخلايا الكبدية وزيادة خطر الإصابة بأمراض الكبد المزمنة، بما في ذلك تغيرات في مستويات إنزيمات الكبد.
بالإضافة إلى ذلك، تبين أن هذه المواد تؤثر في الصحة الإنجابية، مما يؤدي إلى مشكلات في الخصوبة وتأخر في نمو الأجنة وتشير الأدلة إلى أن التعرض لهذه المواد أثناء الحمل يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في وزن المواليد وتأخر في نمو الأعضاء الحيوية.