بيئة

جفاف غير مسبوق في سوريا والعراق.. قمح مهدد والأرز ممنوع

نشر
blinx
 &  & 
في ظلّ جفاف غير مسبوق يضرب المنطقة ويهدّد الأمن الغذائي لملايين السكان، تتفاقم أزمة المياه في العراق وسوريا على حدّ سواء، مسبّبة تداعيات كارثية على الزراعة والمزارعين. ففي النجف، اضطرّ العديد من الفلاحين إلى هجر أراضيهم بعد منع السلطات زراعة الأرز والمحاصيل الصيفية، فيما تتسابق السلطة السورية والإدارة الذاتية الكردية على شراء القمح من المزارعين وسط شحٍّ مائي يهدّد أكثر من 16 مليون سوري بانعدام الأمن الغذائي، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
  • ماذا يحصل في العراق؟
مع تفاقم أزمة المياه في مناطق من العراق مما دفع السلطات إلى منع الزراعة الصيفية وزراعة الأرز، هجر العديد من المزارعين في محافظة النجف أراضيهم ومصدر رزقهم.
وقال المزارع حيدر العذاري وهو يمشي عبر حقول قاحلة كانت في السابق أراض زراعية خصبة "الأرض إللي عندنا ونزرعها كانت 200 دونم (200 ألف متر مربع)، بدأت الدولة شوي شوي تقلصها، لحد ما وصلنا لعام 2023 و2024 نزلنا إلى 80 دونم (80 ألف متر مربع) من أصل 200 دونم".

"حالتنا مأساوية"

وأضاف "بدأ المزارعون الذين تقع أراضيهم بالقرب من المدينة في بيعها، إحنا هنا حالتنا مأساوية... فلاحينا وين تروح؟ محتارة".
وأصبحت النجف، التي كانت معروفة بحقولها الخصبة، تعاني حاليا من وطأة أزمة مياه أوسع نطاقا يغذيها الجفاف وتغير المناخ وسوء إدارة المياه وعوامل أخرى.
ووفقا لتقرير صادر عن المجلس النرويجي للاجئين في عام 2023، تسببت ندرة المياه بالفعل في نزوح المجتمعات الزراعية في العراق.

زراعة الأرز ممنوعة

وقال شاكر فايز مدير الموارد المائية في النجف إنهم اتخذوا ثلاثة إجراءات في المحافظة لمواجهة الأزمة المتفاقمة.
وأوضح "بسبب شح المياه وتفاقم الأزمة المائية صدرت قرارات من اللجنة الوطنية للمياه هي منع الزراعة الصيفية وقرار خاص بمنع زراعة (الأرز) وقرار بمنع التجاوز على الزراعة في هذا الموسم الصيفي (منع أي أنشطة زراعية غير مصرح بها)".

منازل مهجورة

وتتجلى تداعيات هذه الأزمة في المنازل المهجورة والقنوات المائية الجافة.
وقال المزارع حميد مجيد الذي ترك منزله وأرضه بسبب الجفاف "ماي ماكو (لا يوجد)، كهربا ماكو، خدمات ماكو، نهائيا ماكو، يعني حالة يرثى لها.. الأرض تشفونها جرداء.. انتهت يعني".
وجهود الحفاظ على التراث الزراعي في العراق مستمرة لكن بشكل محدود.

البحث عن زراعة مستدامة

وقال مهدي القيسي، وهو مستشار في وزارة الزراعة "محافظة النجف خصصت لمحطة بحوث المشخاب ألف دونم لاستدامة زراعة أصناف إللي هي العنبر والأصناف المشتقة من هذا الصنف لديمومة البذور والأصناف".
لكنه ذكر أن مسألة تعويض المزارعين المتضررين لا تزال قيد الدراسة.
وأضاف "الموسم الصيفي السابق زرعنا بحدود 150 ألف دونم، ومع ذلك إللي زارعين خارج الخطة أيضا سُمح باستلامها كمحصول من قبل وزارة التجارة، التعويضات سابق لأوانها، قرار حكومة على ما يُقر إحنا بالتأكيد ملزمين وإحنا ساندين وداعمين لإجراءات الحكومة في النظر بكيفية تعويض الفلاحين".

٣ أسباب

ويرى بعض الخبراء أنه كان من الممكن التخفيف من حدة الوضع الحالي في النجف. وقال المهندس الزراعي عبد الكريم عبد الله "دول الجوار وتجاوزها على حصة العراق المائية، ثانيا الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، ثالثا سوء إدارة المياه بالعراق، هذه أهم الأسباب إللي أدت إلى هذا الوضع وكان بالإمكان تلافيه لو متوفرة إرادة سياسية".
ويعتمد العراق على نهري دجلة والفرات اللذين انخفض منسوبهما بشكل حاد في السنوات القليلة الماضية. وشيدت تركيا وإيران سدودا لحل مشاكلهما المائية وفرضتا قيودا على منابع النهرين مما فاقم مشاكل العراق.
  • ماذا عن سوريا؟
في خضمّ جفاف غير مسبوق منذ عقود يهدّد أكثر من 16 مليون سوري بانعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة، تتنافس السلطة السورية والإدارة الذاتية الكردية على شراء محاصيل القمح من المزارعين هذا العام.
وتضرّر قرابة 2,5 مليون هكتار تقريبا من المساحات المزروعة بالقمح جراء الظروف المناخية السيئة، وفق ما أفادت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة وكالة فرانس برس، ما سيدفع السلطات الى الاعتماد بشكل متزايد على الاستيراد، بعدما كانت البلاد تُحقق اكتفاءها الذاتي من القمح قبل اندلاع النزاع عام 2011.

"الأسوأ منذ نحو 60 عاما"

وتقول مساعدة ممثل الفاو في سوريا هيا أبو عساف لوكالة فرانس برس "الظروف المناخية القاسية التي شهدها الموسم الزراعي الحالي" تعد "الأسوأ منذ نحو 60 عاما".
وأثّرت تلك الظروف على "نحو 75 في المئة من المساحات المزروعة.. والمراعي الطبيعية للإنتاج الحيواني".
وشهدت سوريا موسم شتاء قصيرا وانخفاضا في مستوى الأمطار، وفق أبو عساف.
وجراء ذلك، "تضرّر وتأثّر نحو 95 في المئة من القمح البعل، بينما سيعطي القمح المروي إنتاجا أقلّ بنسبة 30 الى 40 في المئة" من المعدل المعتاد، وفق مؤشرات الفاو.
وتنبّه أبو عساف الى أن هذا الأمر "سيؤدي إلى فجوة تتراوح بين 2,5 إلى 2,7 مليون طن"، ما من شأنه أن "يضع حوالى 16,3 مليون إنسان أمام خطر انعدام الامن الغذائي في سوريا هذا العام".
قبل اندلاع النزاع في العام 2011، كانت سوريا تُحقّق اكتفاءها الذاتي من القمح مع إنتاج 4,1 مليون طن سنويا. لكن مع توسّع رقعة المعارك وتعدد الأطراف المتنازعة، تراجع الإنتاج إلى مستويات قياسية، وبات الحكم السابق مجبرا على الاستيراد، خصوصا من حليفته روسيا.

"مكافآة تشجيعية"

وتتنافس السلطات السورية والإدارة الذاتية الكردية التي تشرف على منطقة واسعة في شمال وشمال شرق البلاد، على شراء محاصيل القمح من المزارعين.
وأعلن الطرفان اللذان وقعا اتفاقا لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية من دون أن يتم تنفيذه بعد، عن مكافأة مالية تضاف الى السعر التجاري للطن الواحد.
وحدّدت وزارة الاقتصاد سعر شراء طن القمح بين 290 و320 دولارا تبعا للنوعية، تضاف إليها "مكافأة تشجيعية بقيمة 130 دولارا"، بناء على قرار رئاسي، في خطوة تهدف الى "تشجيع المزارعين على تسليم محصولهم" الى المؤسسة العامة للحبوب، وفق مسؤول حكومي.
في شمال شرق سوريا، حدّدت الإدارة الذاتية الكردية سعر طن القمح بـ420 دولارا يشمل "دعما مباشرا بقيمة 70 دولارا على كل طن من القمح، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرة المزارعين على الاستمرار والإنتاج".
ويأتي تحديد الأسعار لهذا الموسم على وقع تدني الإنتاج وأزمة الجفاف غير المسبوقة منذ نحو ستة عقود، وفق خبراء ومسؤولين.
وتتوقع وزارة الزراعة السورية حصاد 300 الى 350 ألف طن من القمح في مناطق سيطرة الحكومة السورية.
تعتزم المؤسسة العامة للحبوب، وفق ما قال مديرها حسن عثمان للتلفزيون السوري مؤخرا، شراء 250 الى 300 ألف طن منها.
وشدّد على أن "الاكتفاء (الذاتي) غير محقّق، لكننا كمؤسسة نعمل على توفير الأمن الغذائي عن طريق استيراد القمح من الخارج وطحنه في مطاحننا".
وكانت إمدادات دورية منتظمة من القمح تصل من روسيا خلال فترة حكم بشار الأسد. ومنذ الإطاحة به في الثامن من ديسمبر، وصلت باخرة محملة بالقمح من روسيا في أبريل الى مرفأ اللاذقية، وأخرى الى ميناء طرطوس الشهر الماضي.
كما أعلن العراق نقل 220 ألف طن من القمح كهدية إلى الشعب السوري.

فقر وجوع

في ريف عامودا في شمال شرق سوريا، يتفقّد جمشيد حسو (65 عاما) سنابل القمح التي تغطي مئتي هكتار مروية.
ويقول بينما يفرك سنبلة بيديه مشيرا إلى حبات القمح الصغيرة، "بذلنا مجهودا كبيرا في زراعة القمح المروي بسبب تدني نسبة هطول الأمطار".
ويشرح لفرانس برس "سقيت هذه الأرض ست مرات بواسطة المرشات المائية".
ورغم ذلك "بقي طول السنابل قصيرا وإنتاجها قليلا وحبوبها صغيرة".
واضطر الرجل الذي يعمل مزارعا منذ أربعة عقود الى إنزال المضخات إلى عمق تجاوز 160 مترا بسبب انخفاض منسوب المياه الجوفية من أجل ري حقله، ومع ذلك بقي الإنتاج ضعيفا جدا.
ويفاقم الجفاف الذي تنعكس تداعياته سلبا على إنتاج محاصيل زراعية عدة وعلى قطاع الثروة الحيوانية، الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها السوريون أساسا بعد 14 عاما من نزاع مدمر.
ويقول حسو "ما لم يُقدّم لنا الدعم، لن نستطيع الاستمرار. لن يكون بمقدورنا حراثة الأرض وريّها مجددا لأننا نسير الى المجهول ولا يوجد بديل آخر". ويتابع "سيعاني الناس من الفقر والجوع".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة