"رحم للإيجار".. رحلة بحث إسرائيلية في دول فقيرة

في عام 2015، ضرب نيبال زلزال عنيف بمقدار 7.8 درجة على مقياس ريختر أدى لمقتل نحو 7500 شخص، وشرّد أكثر من 8 ملايين شخص. إسرائيل كانت من بين أوائل الدول التي أرسلت طواقم إغاثية إلى نيبال لإجلاء بعض الضحايا.

الوفد الإسرائيلي كان مكوناً من ٤ طائرات تجارية، ومروحيات، وعربات جيب، وطواقم إنقاذ من الجيش الإسرائيلي، وشركات تأمين، ومتطوعين.

لكن هذه الطائرات عادت بـ26 رضيعاً دون أمهاتهن، ليتضح أن هؤلاء الرضع ولدتهن نساء من الهند يُقمن في نيبال، قمن بتأجير أرحامهن لأزواج إسرائيليين مثليين.

الأمر أثار ضجة وموجة انتقادات في ذلك الحين، لأن الطاقم الإسرائيلي رفض إجلاء النساء الهنديات اللاتي أنجبن أولئك الأطفال بعد انتهاء الحاجة إليهن، بالإضافة لرفض إسرائيل استقبال 100 امرأة هندية أخرى في نيبال حملن في بطونهن أطفالاً لأزواج إسرائيليين قاموا بتأجير أرحامهن.

هذه الحادثة سلطت الضوء وقتها على قضية تأجير الأرحام في إسرائيل، ورواج ذلك الخيار بين الإسرائيليين، خاصةً في دول شرق آسيا.

الإسرائيليون اعتادوا على استئجار الأرحام من الهند، لكن الحكومة الهندية منعت ذلك في عام 2013، بينما سمحت به نيبال بشرط أن تكون المرأة المستأجَر رحمها من غير المواطنين النيباليين.

القوانين الإسرائيلية تسمح باستئجار الأرحام فقط للأزواج الذين فشلوا في الإنجاب بشتى الطرق ولم يبقَ لهم سوى هذا الخيار.

تشترط الحكومة الإسرائيلية أن تكون المرأة التي تؤجّر رحمها عزباء أو أرملة أو مطلقة، وأن تكون قد حملت من قبل، ويكلف الأمر ما يزيد عن ربع مليون شيكل.

لذلك يلجأ الإسرائيليون لدول فقيرة مختلفة حول العالم، للعثور على أرحام لاستئجارها بسعر أرخص والالتفاف على قوانين إسرائيل المشددة.

تايلاند كانت إحدى الوجهات ذات الشعبية للإسرائيليين، لكن انكشف الأمر في عام 2014 عندما أنشأ إسرائيليون صفحة على فيسبوك باسم "ساعدونا لإحضار الرضع لبيوتهم" حصدت نحو 14 ألف إعجاب.

الصفحة فجّرت قضية 65 رضيعاً ولدوا في تايلاند لأمهات قمن بتأجير أرحامهن لأزواج إسرائيليين، لكن وزير الداخلية الإسرائيلي رفض منحهم الجنسية، وقال إنه يجب منحهم الجنسية التايلاندية بدلاً من ذلك.

لكن في عام 2022، أعلن وزير الصحة الإسرائيلي نتسان هورويتز أن حقوق استئجار الأرحام، ستشمل الرجال بغض النظر عن حالاتهم الزوجية أو العاطفية بمعنى الأزواج المثليين. وفي العام 2023، أقرت محكمة في تل أبيب بحق النساء العازبات في استئجار الأرحام للحصول على أطفال.

أعين الإسرائيليين اتجهت مؤخراً نحو جورجيا لاستئجار أرحام النساء وتحقيق أمنية الحصول على طفل بكلفة أقل، حيث تقول وكالة مانور إن أكثر من 5500 طفلا وُلد لعائلات إسرائيلية بأرحام جورجية مؤجرَة.

لكن الأمر لا يخلو من المشاكل بحسب القناة 12، التي قالت إن استئجار الأرحام من دول فقيرة، يعني عدم حصول النساء على رعاية صحية كافية، وفحوصات طبية دقيقة، وهو ما قد يتسبب في مخاطر على حياة الطفل.

القناة تنقل عن رجل إسرائيلي يدعى آرون، أنه استأجر رحم امرأة من جورجيا حملت في ثلاثة أطفال. وبعد وضعها المواليد الجدد قام بإجراء فحص الحمض النووي الوراثي فكانت النتيجة أن اثنين من أولئك الأطفال هم أبناؤه، وأما الثالث فاتضح أنه ابن تلك المرأة الجورجية وصديقها.

واتضح أنها بجوار حملها بالبويضة المخصّبة المزروعة في رحمها، تمكّنت من الحمل من رفيقها في نفس الوقت.

أما الإسرائيلية شيرا فتقول إنها استأجرت رحم امرأة في جورجيا، ووعدتهم الوكالة بأنهم سيقومون بإجراء الفحوص الطبية الدقيقة على مدار الحمل، وطلبوا منها دفع تكاليف أدوية وعقاقير دون إثبات أي إيصالات بشراء تلك الأدوية.

وعندما اقتربت المرأة الجورجية من الولادة، اتضح اصابتها بالتهابات حادة شكّلت خطراً على حياة الجنين، وأن ابن شيرا ما زال يعاني من مشاكل صحية وتأخر في النمو.

إحدى الإسرائيليات اللاتي لفتن الأنظار بشدة، كانت وزيرة المواصلات السابقة وزعيمة حزب العمال اليساري ميراف ميخائيلي التي حصلت على مولودها الثاني عن طريق رحم مستأجر وهي بعمر 56 عاماً، ولم تفصح عن هوية أو مصدر ذلك الرحم.

ميخائيلي تعتبر أيقونة نسوية ويسارية في إسرائيل، وداعية بارزة لحقوق المرأة، لذلك ذكرت صحيفة هآرتس أن الوزيرة السابقة عارضت تأجير الأرحام في الماضي.

ولفتت الصحيفة الأنظار إلى أن بعض النساء يتأخرن عن الإنجاب عمدا، أو يتفادين ذلك بحجة أنهن لا يستطعن تحمل تكاليفه والمحافظة على نجاحهن المهني، وأن بعضهن يقمن بتجميد البويضات، ليقمن في وقت لاحق باستئجار رحم امرأة أخرى شابة فقيرة لتقوم بعملية الحمل.

وهو ما اعتبرته هآرتس مثلاً على النسوية النيوليبرالية، مؤكدة أن "اختيار امرأة أن لا تضّر بمسيرتها المهنية أو شكل جسدها بأن تحمل وتضع مولوداً وتصبح أماً، واختيارها بدلاً من ذلك امرأة من طبقة اقتصادية واجتماعية أدنى، لتقوم هي بتلك التضحية بدلاً منها".