أسرة وطفولة
.
"لبنان يخسر سكانه والسنوات الـ10 الأخيرة غيّرت من وجه البلاد الديموغرافي".
هذا ما قاله عضو مجلس البحوث العلمية في لبنان، الدكتور علي فاعور، لبلينكس عن واقع النمو السكاني في لبنان الذي شهد تراجعا كبيرا خلال السنوات الماضية، كاشفا أن "البنية السكانية في لبنان تتعرض لتصدعات".
فقد كشف تقرير للأمم المتحدة خاص بالتعداد السكاني العالمي الصادر في يوليو 2023، أن لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي ظهرت ضمن قائمة أبرز 32 دولة حول العالم تشهد انخفاضا في عداد سكانها.
فماذا تكشف آخر الأرقام عن هذه الأزمة؟ ما هي أسبابها؟ وماذا عن واقع الهجرة والنازحين السوريين؟
قال الباحث في شركة الدولية للمعلومات، المتخصصة بالإحصاءات، محمد شمس الدين لبلينكس إن الولادات تراجعت 40% بين عامي 2018 و 2023.
بسام مولوي، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال خلال التحضير للانتخابات التشريعية في بيروت، ١٦ مايو، ٢٠٢٢. أسوشيتدبرس
وأوضح شمس الدين أن سبب ذلك يعود إلى الآتي:
وقفة تضامنية مع أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، من الأطفال والأهالي اللبنانيين المولودين في البرازيل، شاطئ كوباكابا، ريو دي جينيرو، البرازيل، ٤ أغسطس، ٢٠٢٣. أ ب
هذه الأرقام تبيّن أن النمو السكاني في لبنان تراجع بنسبة تناهز الـ40%، وهي نسبة كبيرة جدا، بحسب شمس الدين.
وللإشارة أيضا، فإنه في عام 2023، بلغ مجموع عدد معاملات الزواج 3553، فيما بلغ عدد معاملات الطلاق 8541.
فاعور، وهو أيضا مدير مركز السكان والتنمية اللبناني، قال إن عدد كبار السن، ممن تجاوزوا الـ65 عاما، تضاعف بمعدل 5 مرات خلال الفترة الممتدة بين 1970 و2018، وفي العام 2023 بلغت نسبة الشيخوخة في لبنان 14% وذلك بحسب محددات الأمم المتحدة.
شباب لبنانيون خلال مظاهرة وسط بيروت، نوفمبر، ٢٠١٩. أ ب
في المقابل، تقول دراسة أخرى أعدتها وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع منظمة "اليونيسف" إن نسبة الشباب في لبنان عام 2022 هي 27.4%.
دراسة أخرى أجراها الأمين العام لحركة "مواطنون ومواطنات" في لبنان شربل نحاس، أظهرت أن اللبنانيين الذين تقلّ أعمارهم عن 20 عاما كانوا يمثّلون 55% من السكان في 1970، وانخفضت نسبتهم إلى 40% في 1997، ثم إلى 30% في 2018.
وبحسب هذه الدراسة، ارتفعت نسبة اللبنانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاما، من 15% في 1970، إلى 18% في 1997، وصولا إلى 26% في 2018.
آخر إحصاء رسمي للسكان في لبنان صدر عام 1932، أي حين كان لبنان تحت وصاية الانتداب الفرنسي.
جميع الوثائق والبيانات الخاصة بالسكان مرتبطة بأرقام عمرها 92 عاما، ومنذ عام 1934 وحتى اليوم، لم تُجرِ الدولة اللبنانية أي إحصاء جديد.
مولود سوري في حاضنة في مستشفى شتورا شرق لبنان. أ ب
يقول كل من شمس الدين وفاعور، إن السبب وراء ذلك هو طائفي كي لا ينكشف الحجم الفعلي لكل طائفة في لبنان، وينسحب ذلك على كافة الأمور الأخرى في البلاد، لاسيما السياسية.
فاعور يتحدث عن تطور أعداد السكان اللبنانيين بين عامي 1970 و2018، ويقول "قبل 54 عاما أي عام 1970، أُجري مسح حمل عنوان إحصاء القوى العاملة في لبنان، وتبين أن عدد السكان اللبنانيين فقط ناهز مليون و796 ألف نسمة".
وأضاف "أما في العام 2018، وحين أجري آخر مسح سكاني في لبنان بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجهات أخرى، تبين أن عدد السكان اللبنانيين بلغ 3 ملايين و864 ألف نسمة، وذلك بمعزل عن عدد غير اللبنانيين الموجودين في لبنان، سواء من السوريين أو الفلسطينيين أو أشخاص من جنسيات أخرى".
أسرة سورية لاجئة في مخيم في منطقة سهل البقاع، لبنان، يوليو، ٢٠٢٢. أ ب
ويتابع "عدد اللبنانيين في لبنان تضاعف مرة واحدة بين 1970 و2018 بنسبة بلغت نحو 115% وذلك خلال مدة 48 عاما، كانت حافلة بالنزاعات والصراعات التي أدت إلى تهجير الشباب وإفراغ لبنان من موارده البشرية نتيجة موجات العنف التي شهدها لبنان خلال فترة الحرب الأهلية، وتزايد تدفقات الهجرة اللبنانية الى الخارج".
الباحث شمس الدين يقول إن 180 ألف لبناني يهاجرون سنويا من لبنان، مشيرا إلى أنه خلال الأشهر الـ3 من العام 2023، سُجّل هجرة وسفر 23 ألفا و621 شخصا مقابل 7096 فردا خلال الفترة ذاتها من العام 2022، أي بارتفاع قدره 16 ألفا و525 شخصا، ما يعني أن زيادة الهجرة كانت بنسبة 232.8%.
لبناني من أنصار تيار المستقبل في ساو باولو، البرازيل بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية في لبنان، ٢٠١٨. أ ب
بدوره، قال فاعور إن أكثر من 80% من المهاجرين اللبنانيين هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و44 عاما، موضحا أن هذه الفئة تمثّل القوة في البنية السكانية، ويتابع "خلال الـ5 سنوات الماضية، فإن نحو 13% من اللبنانيين هاجروا إلى الخارج، أي أن هناك 500 ألف مواطن تركوا البلاد، ما يشير إلى تناقص كبير في عدد السكان والأمر ليس سهلا أبدا".
شمس الدين لفت إلى أن الهجرة تؤثر على النمو السكاني لأنها تساهم في تأجيل مشاريع الزواج، وأضاف "حين يسافر الشاب لتأمين مستقبله، فإنه قد يضطر في أغلب الأحيان لتأجيل الزواج، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الولادات وبالتالي انخفاض النمو السكاني".
من جانبه أوضح فاعورأن لبنان ليس بلدا مستقرا، ولهذا السبب تزداد الهجرة منه، مشيرا إلى أن البلاد هي واحدة من بين أكبر بؤر الجوع في العالم، كما أن لبنان هو ضمن البلدان الأكثر تعاسة، فيما معدل الفقر فيه 82%.
وقفة تضامنية لأهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، ٤ أغسطس، ٢٠٢٣. أ ب
إزاء ذلك، يشير فاعور إلى أن هذه الأسباب وغيرها تدفع الشباب للهجرة خارج لبنان سعيا لتأسيس مستقبل في بلدان مستقرة، الأمر الذي سينعكس في المقابل على عدد السكان في لبنان.
من ناحيتها، تلفت الدراسة التي أعدها نحاس إلى أن الكلفة المقدّرة التي تراكمت على مدى 30 عاما من هجرة الشباب اللبناني، تبلغ 240 مليار دولار.
أرقام أخرى قدمها فاعور لبلينكس تكشف عن تمدد النازحين السوريين في لبنان، والبالغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة، مؤكدا أن لبنان تحول إلى "مخيم كبير"، لاسيّما أنه يضم 7.5 ملايين شخص، نصفهم فقط من اللبنانيين.
طفلة لبنانية محمولة خلال مظاهرة ضد الحكومة، نوفمبر، ٢٠١٩. أسوشيتدبرس
كشف فاعور أن ولادات السوريين تفوق ولادات اللبنانيين في مختلف المناطق، مشيرا إلى أن أرقاما رُصدت من المستشفيات عام 2018 تكشف التالي:
لاجئة سورية وأطفالها خلال مظاهرة وتبدو ملصقات بالأعلام السورية واللبنانية على جبهاتهم، طرابلس، لبنان. أسوشيتدبرس
يوضح فاعور أن ما يسمى بـ"ولادات المراهقات" أي الولادات لأمهات تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما، بلغت نسبتها في العام 2017 بين السوريين 7071 ولادة مقابل 2700 ولادة في أوساط اللبنانيين.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة