كيف يواجه "فراس" تكاليف العودة لمدارس تونس؟

لضمان عودة بناته للدراسة، في أفضل الظروف يعمل فراس على شراء المستلزمات الأساسية من قرطاسية، أدوات كتابية وأوراق، وغيرها منذ شهر أغسطس، تجنبا لحدوث أي طارئ.

يكشف فراس أنه اختار أن تدرس ابنته الصغرى مريم، بالصف الأول من المرحلة الابتدائية بمدرسة حكومية مع أختها التي تزاول بدورها تعليمها بالسنة الخامسة، موضحا أنّه ليس خيارا بقدر ما دفعته الظروف المادية، بالرغم من كل النواقص التي يشكو منها التعليم الرسمي في تونس.

يتقاضى فراس نحو 2300 دينار، حوالي 750 دولارا، مقابل عمله في شركة للسيارات، وهو أجر جيد في بلد لا يتجاوز فيه معدل الدخل السنوي الأساسي في القطاع الخاص 300 دولار.

لكنّ فراس اضطر هذا الشهر لطلب سلفة من عمله، إلى جانب الاقتراض من أحد أصدقائه. فهو مطالب بشراء مستلزمات بنحو نصف راتبه.

اشترى فراس الزي الرسمي للمدرسة، قطعة لكل فتاة، بكلفة 80 دينار (26 دولار)، بالإضافة إلى حقيبتين من النوعية الجيدة آملا في إمكانية استعمالهما العام المقبل مقابل 300 دينار (100 دولار).

إلى جانب الملابس، اشتري الأب مجموعة من الكتب والكراسات، حسب ما يتطلبه المستوى الدراسي لكل بنت، مع الأقلام الجافة والملونة والمستلزمات الضرورية الأخرى، علاوة على ألبسة جديدة كما تقتضيه عادات العودة المدرسية، بمجموع ناهز 1500 دينار.

يوضح فراس أن هذا المبلغ لا يتضمن مصاريف الدروس الخصوصية، التي باتت من الضروريات بسبب تراجع جودة التعليم الرسمي، إلى جانب مصاريف الحضانة المدرسية التي تتولى مهمة رعاية ابنتيه بين الحصص الصباحية والمسائية، ونقلهما إلى المدرسة والحرص على أكلهن، لأن المدرسة الرسمية لا توفر هذه الخدمات.

يؤكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، أن كلفة العودة المدرسية ارتفعت هذا العام بنحو 12% مقارنة مع العام الماضي، رغم استقرار أسعار الكتب والكراسات المدعومة، وهي من النوعية الرديئة التي لا يفضلّها كل أطراف العملية التعليمية، باعتبار أن أغلب المستلزمات مستوردة، ولا تخضع لتحديد سقف الأسعار في ظل تراجع قيمة الدينار التونسي.

يوضح الرياحي أن المنظمة قدّرت كلفة العودة المدرسية لتلميذ المرحلة الابتدائية بنحو 700 دينار (حوالي 230 دولار)، وتصل إلى 1000 دينار، بالنسبة لطلاب الجامعات.

من جهة أخرى، تظهر دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أسعار الكراسات سجلت زيادة بنحو 75% بين 2021 و 2023، كما ارتفعت أسعار بقية المستلزمات بنسبة 40 %.

تردد السلطات في تونس خلال الأعوام الماضية، شعار الدولة الاجتماعية مستذكرة السنوات الأولى التي تلت الاستقلال حينما أقر قانون سنة 1958 بمجانية التعليم وشموليته، كما ينص على ذلك دستور سنة 2022.

في المقابل توفر وزارة الشؤون الاجتماعية مساعدات مادية مع بداية كل عام دراسي بقيمة 100 دينار،أقل من 35 دولار، لفائدة 430 ألف تلميذ من أبناء العائلات المعوزة ومحدودة الدخل.

كما يقدّم الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، وهو مؤسسة حكومية، مساعدات عينية لنحو 100 ألف تلميذ تتمثل في حقيبة وبعض الكتب والدفاتر وحذاء أو لباس، بينما تقدر إحصائيات حصلت عليها بلينكس من وزارة التربية أن عدد الطلاب بالمرحلتين الابتدائية والثانوية يقدر بـ2.5 مليون تلميذ، مع الإشارة إلى أن نسبة الفقر في تونس تتجاوز 16%، حسب أرقام المعهد الوطني الحكومي للإحصاء.

تمثل المشاكل المعقدة والمتراكمة لقطاع التعليم في تونس، دافعا لمغادرة بين 60 و100 ألف طالب سنويا لمقاعد الدراسة، ومغادرة التعليم نهائيا في مراحله المبكرة، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

ووفقا لدراسة أنجزتها المنظمة فإن ثلث المنقطعين عن التعليم في تونس، يُرجعون ذلك لأسباب اقتصادية وصعوبات مالية، كما يؤكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن نحو مليون طفل تسرب خلال العقد الأخير، من الشرائح الأكثر فقرا، خاصة في المناطق الريفية لعدم قدرة الأسر على توفير مصاريف التعليم.