تونس تستعد للمولد بـ"الزقوقو".. وعلاء يحاول تدبير كلفته

توجهت درصاف، إلى سوق شعبية بالعاصمة تونس لشراء ما يلزمها من فواكه جافة ودقيق وسكر وحليب مُحلى، غير أن فارق الأسعار دفعها إلى التقيد بمبلغ 100 دينار (35 دولارا)، الذي تسلمته في الليلة السابقة من زوجها.

تقول درصاف إنها تسعى رغم الظروف الاقتصادية الصعبة لمواصلة الحفاظ على العادات في الأعياد والاحتفالات، فهي تعتقد أن أجواء المولد النبوي لا تكتمل في البيوت التونسية دون إعداد "عصيدة الزقوقو".

.. لكن كيف حضّرت الزوجة عصيدة الزقوقو؟

• اشترت درصاف كيلوغراما من بذور الزقوقو، الصنوبر الحلبي، مقابل 50 دينارا، وبعد تنقيته من الشوائب وتنظيفه تقوم بطحنه للحصول على عجين تنقعه ليلة كاملة في الماء ثم تقوم في اليوم التالي بتصفيته للحصول على سائل مركز أساسه الزقوقو أو الصنوبر.

• تطهو درصاف ما حصلت عليه من مستخلص الصنوبر بعد إضافة الدقيق لنحو 45 دقيقة مع التحريك المستمر، وعند الحصول على خليط متجانس.
• تضيف السكر والحليب المركّز.
• وأخيرا، تسكب الشابة عصيدتها في أكواب وتزينها بعناية بما اشترته من لوز وجوز وفستق وبندق وحلوى ملونة.

خلال هذا الأسبوع وقبل حلول الاحتفال بعيد المولد في تونس، انتشرت تدوينات وصور وفيديوهات ساخرة على السوشيال ميديا بسبب ارتفاع كلفة طبق "عصيدة الزقوقو".

تقول إحداهن مازحة على فيسبوك إن المولد النبوي يتزامن هذا العام مع عودة المحاكم للعمل بعد العطلة الصيفية، في إشارة إلى تزايد حالات الطلاق بسبب أسعار الفواكه الجافة ومادة الصنوبر. ونشر آخر صورة لرجل منهار على الأرض وأرفقها بتعليق ساخر: "اشترى كيلو زقوقو ونسيه في سيارة التاكسي".

وزادت حملة السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي حدة، بعد تصريح إذاعي لرئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك لطفي الرياحي، جاء فيه أن كلفة العصيدة هذا العام لعائلة مكونة من 6 أفراد تتراوح بين 250 و270 دينار (85- 90 دولار).

ويفسّر الرياحي، في تصريح لبلينكس، هذا الغلاء بقلة توفر الصنوبر بالأسواق رغم تحسن الإنتاج الزراعي، وذلك بسبب المضاربين الذين يحصلون عليه بمقابل زهيد من المزارعين، ويحتكرونه قبل بيعه بأسعار مبالغ فيها عند اقتراب الاحتفال بالمولد النبوي وارتفاع الطلب.

وتنتشر أشجار الصنوبر الحلبي خاصة في منطقة الشمال الغربي لتونس، وجبال المغرب العربي عموما بكميات وفيرة، لكنها تعرضت لتخريب على امتداد عقود أدى إلى تراجعها بنحو الثلث كما أن جني الثمار يتطلب جهدا بدنيا لارتفاع الأشجار وصعوبة التضاريس.

الطريف في تاريخ إعداد عصيدة الزقوقو أن التونسيين قاموا بصناعتها منذ عام 1864، وهي سنة مفصلية عرف فيها سكان البلاد مجاعة وجفافا وفقرا مدقعا بسبب انحباس الأمطار ورفع الباي، الملك، قيمة الجباية، ما نتج عنه اندلاع أول ثورة في البلاد.

يكشف الباحث في التاريخ عبد الستار عمامو أن نقص توفر الحبوب ونفوق المواشي في ذلك العام الصعب، دفع بالتونسيين إلى استغلال ثمرات الصنوبر لسد جوعهم.

ومنذ انتهاء المجاعة وإلى غاية السبعينات، كانت ربات البيوت تتجنبن إعداد "عصيدة الزقوقو" لما لها من دلالات سلبية تتعلق بالجوع والفقر، حتى اكتشفن حلوى تركية تشبهها نسبيا، فعدن لإعدادها وارتبطت باحتفالات المولد النبوي، حتى أصبحت مناسبة استهلاكية استغلها التجار لرفع الأسعار وتحولت بذلك إلى طبق يزين موائد الميسورين ويدل على رفاههم.