كرة قدم
.
باستثناء كأس العالم للمنتخبات، لم يدخل البرتغالي كريستيانو رونالدو أي بطولة إلا وفاز بها، ولم ينافس على أي جائزة فردية مرموقة إلا وضمها إلى حائط بطولاته، لكن لماذا يتشكك دائما؟
رونالدو اعتاد البكاء في الفترة الأخيرة بعد كل إخفاق محلي ودولي، ليعبر عن خيبة أمله الشديدة عندما يفشل في تحقيق أي لقب جماعي أو فردي، وكأنه لم يحقق كل شيء بالفعل من قبل.
كريستيانو بلغ اليقين في عالم كرة القدم وفاز بكل شيء تقريبا، لكنه ما زال يضع نفسه في اختبارات مستمرة، ويتشكك دائما في قدرته على الاستمرار بنفس الحيوية والتأثير حتى وهو يسير نحو عامه الـ40.
لكن ما الذي يدفع رونالدو إلى هذه المرحلة المتقدمة من الشك رغم كل النجاحات التي مر بها في مسيرته مع كرة القدم، وهل للأرجنتيني ليونيل ميسي دور في هذا التوتر الذي يعيشه؟
اعرف أكثر
بعدما حقق 5 ألقاب لدوري أبطال أوروبا، وفاز بكل البطولات الممكنة مع ريال مدريد، وبات لديه ما يُشبعه من كرات وأحذية ذهبية، قام كريستيانو رونالدو بخطوة مفاجئة بترك العملاق الملكي الإسباني والاتجاه إلى يوفنتوس الإيطالي عام 2018.
ظن رونالدو أن بإمكانه النجاح في أي ناد آخر بعدما أصبح أيقونة دوري أبطال أوروبا، ويمكنه الفوز باللقب مع أي فريق آخر، لكن ما حدث مع يوفنتوس كان بداية الدخول في عالم الشك لأسطورة البرتغال.
رونالدو لم يحقق دوري الأبطال في 3 مواسم مع يوفنتوس رغم الأداء الجيد الذي قدمه في المسابقة، بعد ذلك وجد نفسه يهدر الوقت في إيطاليا، فقرر العودة إلى ناديه الأسبق مانشستر يونايتد الإنكليزي، لعله يعيد بريقه في دوري الأبطال، أو يساعد "شياطين إنجلترا الحمر" على التتويج بلقب كبير.
لكن تجربة "الدون" في أولد ترافورد كانت مثيرة أكثر للشك، فلم ينجح كريستيانو في مساعدة الفريق بالشكل اللازم ليتوج بلقب كبير، ثم وجد نفسه على مقاعد البدلاء في موسمه الثاني لتبدأ الخلافات مع مدربه.
لعب رونالدو كأس العالم الأخيرة في قطر، دون أن يكون على قوة أي ناد في العالم، بعد فسخ تعاقده مع مانشستر يونايتد في نوفمبر 2022، لتُعد البطولة فرصة كبيرة لإعادة تسويق نفسه واستعادة البريق المفقود.
لكن رونالدو كالعادة وجد نفسه بعيدا عن مستواه المعهود، ليجلس على مقاعد البدلاء في المراحل الإقصائية، قبل أن تكون نهاية حلمه على يد المنتخب المغربي الذي أطاح بالبرتغال، ليتأكد كريستيانو أنه لن يتمكن من الفوز بكأس العالم أبدا.
دموع كريستيانو الغزيرة بعد وداع المونديال كانت ضمن المؤثرات في مشهد نهاية حزين للاعب قدم مسيرة أسطورية في عالم كرة القدم، وحقق كل شيء إلا أغلى الألقاب وأصعبها.
وفي تجربة تسبق الاعتزال، لعب رونالدو مع النصر السعودي، لينجح في استعادة تألقه وحصد لقب هداف البطولة في آخر مواسمه، برصيد 35 هدفا، لكنه بكى بحُرقة عندما خسر نهائي الكأس أمام الهلال، ليثبت للجميع أن شغفه لم يمت.
وشهدت بطولة يورو 2024 لحظات شك وألم جديدة لرونالدو، الذي تحول في نهاية مسيرته إلى لاعب يتجرع الأحزان بعد أن كان يذيقها للمنافسين، ولم يسجل "الدون" أي أهداف في البطولة، وبكى في ثمن النهائي بعدما أهدر ركلة جزاء أمام سلوفينيا، قبل أن تكتب فرنسا نهاية مشواره في ربع النهائي بركلات الترجيح.
رونالدو الذي سيحتفل بعيد ميلاده الـ40 في فبراير المقبل، ما زال متشككا في قدرته على تحقيق الألقاب في نهاية مسيرته.. يضع لنفسه الأهداف واحدا تلو الآخر، وعندما يفشل ينسى كل ما حققه وينهار باكيا كأنه لم يعرف أبدا طعم النجاح.
"الفوز بلقب مع البرتغال ليس كما تحقق لقبا مع الأرجنتين أو البرازيل أو ألمانيا، الأمر هنا صعب جدا جدا ومختلف"، هكذا قال رونالدو لفوكس سبورتس، مشيرا إلى أن أي لقب يحققه مع بلاده سيكون أصعب من لقب يحققه ميسي مع بلاده.
وقال رونالدو بعد أن فاز بلقب يورو مع البرتغال في عام 2016 إن أي لاعب يجب أن يحقق لقبا لمنتخب بلاده حتى يصبح أسطورة في كرة القدم، في وقت كان خلاله ميسي يُعاني صعوبات جمة ويعتزل دوليا بسبب فشله الدولي في كوبا أميركا.
وضع كريستيانو معايير مرتفعة في سباق تاريخي بينه وبين أسطورة الأرجنتين، لكن ما حدث بعد ذلك كان سببا مباشرا في توتر رونالدو، إذ نجح ليونيل في حصد كوبا أميركا، ثم انتقل الصراع الأخير بينهما إلى قطر 2022 في كأس العالم.
نجح ميسي في التتويج بالمونديال رفقة الأرجنتين، بينما ودعت البرتغال مع كريستيانو، في وقت لعب خلاله ليونيل دور البطولة وكان أفضل لاعبي المسابقة، بينما وجد رونالدو نفسه على مقاعد البدلاء غير قادر على انتزاع موقع أساسي في التشكيل.
النجم البرتغالي وضع ميسي دائما نصب عينيه في مشواره وحاول التغلب عليه لينجح تارة ويفشل أخرى، حتى إنه خرج في عام 2011 ليقلل من الكرة الذهبية التي توج بها ليونيل.
وعلق رونالدو على تتويج ميسي بالبالون دور: "جائزته تعتمد على التصويت، لكن جائزتي تعتمد على الأداء"، وذلك بعد فوزه بالحذاء الذهبي كأفضل هداف في أوروبا.
ولم يكتف رونالدو بالتلميحات فقط، فقد قالها صريحة أكثر من مرة إنه أفضل من ميسي، وكان ذلك في ذروة التنافس بينهما عندما كانا يُلهبان كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة ويجعلانه الأكثر مشاهدة عالميا كل موسم.
لكن في نهاية المسيرة، وبعد تتويج ميسي بكأس العالم، يرى زلاتان إبراهيموفيتش، أسطورة السويد، أن الجدال انتهى بعد كل ما حققه ميسي في سنوات مسيرته الأخيرة.
وبدا رونالدو أكثر هدوءا في تصريحاته قبل نهاية الرحلة، بعدما بكى في قطر على ضياع حلم المونديال، ليصرح لـ"إن بي سي سبورتس" في نهاية 2023 ويعترف بأن السباق انتهى، دون أن يكرر تصريحاته السابقة بأنه الأفضل.
وقال رونالدو :"المنافسة انتهت.. لقد كانت منافسة صحية أحبها الجمهور، نلنا احترام العالم أجمع، لن تجد محب كريستيانو يكره ليونيل، لأننا غيرنا تاريخ القدم، على مدار 15 عاما من التنافس فيما بيننا".
وترك رونالدو الحكم للجمهور والتاريخ، لكن البعض يتوقع ألا يستسلم كريستيانو ويعود في سن الـ42 عاما في كأس العالم المقبلة عام 2026 في محاولة لمعادلة إنجاز ميسي والتتويج رفقة البرتغال باللقب.
"بتعرف تعد لحد كام"، مشهد أيقوني من فيلم "شمس الزناتي" المصري، عندما تحدى الزعيم عادل إمام نظيره محمود حميدة حول عتاده لخوض معركة طاحنة، ويمكن أيضا لرونالدو أن يرد بنفس الإجابة على أي شخص يسأله كم لقبا فرديا وجماعيا حققت؟
الخطأ في العد هنا وارد، لأن كريستيانو فاز بجائزة أفضل لاعب في المباراة، ولاعب الشهر ولاعب الأسبوع محليا وأوروبيا عشرات المرات، الأمر الذي يجعل إحصاء كل الجوائز الفردية مهمة شاقة للغاية على كريستيانو نفسه الذي ربما لا يعرف هو نفسه عددها.
الرقم 5 كان عنوان أعظم ما حققه رونالدو في مسيرته، فقد حصد جائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم 5 مرات، وحصل على لقب دوري أبطال أوروبا 5 مرات.
وفاز رونالدو بجائزة أفضل لاعب في العالم من "الفيفا" بمسماها الجديد "ذا بيست" 3 مرات، وأفضل لاعب في أوروبا 4 مرات، وأفضل لاعب في البرتغال 13 عاما، وجائزة بوشكاش لأفضل هدف في العالم مرة واحدة عام 2009.
وتوج رونالدو هدافا للمسابقات 20 مرة في تاريخه، ما بين بطولات الدوري الإسباني والإنجليزي ودوري أبطال أوروبا واليورو وكأس العالم للأندية ودوري الأمم الأوروبية وكأس ملك إسبانيا، ومؤخرا الدوري السعودي.
كريستيانو أيضا حصل على جائزة لاعب الموسم 9 مرات في أنديته السابقة مانشستر يونايتد وريال مدريد ويوفنتوس والنصر، وحصل على الجائزة نفسها كلاعب الموسم في الدوري 3 مرات في إسبانيا وإيطاليا والسعودية.
وتوج رونالدو بالدوري الإنجليزي 3 مرات وكأس العالم للأندية 4 مرات والدوري الإسباني مرتين، والدوري الإيطالي مرتين، وكأس إسبانيا مرتين وكأس إنجلترا مرة وكأس الرابطة الإنجليزية مرتين وكأس إيطاليا مرة، والسوبر في إيطاليا مرتين وفي إسبانيا 3 مرات وفي إنجلترا مرة، وفي البرتغال مرة في بداية مسيرته عام 2003، وكلها ألقاب مرت على الدون.
ويمنح رونالدو الألقاب الدولية التي حققها مع منتخب البرتغال مكانة خاصة في قلبه، إذ حقق يورو 2016، ثم توج بالبطولة المستحدثة دوري الأمم الأوروبية في عام 2019.
وما زال رونالدو متعطشا لحصد المزيد من الألقاب الجماعية والفردية، دون أن ينبس ببنت شفة عن الاعتزال، لا من قرب ولا من بعيد، مرجحا احتمالات استمراره حتى محاولة جديدة في مونديال 2026.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة