وثائقي بلينكس.. أزمات الكرة الكويتية أعيت من يداويها

ما إن يذكر المنتخب الكويتي في عالم الكرة العربية خصوصا الخليجية، حتى تحتشد الذاكرة بنجاحات قل مثيلها، إذ عاش بالفعل الأزرق الكويتي سنين عددا يحلق في المجد العالمي والقاري والإقليمي.

وكان المنتخب الكويتي أول منتخب عربي آسيوي يتأهل إلى المونديال، وحدث ذلك في عام 1982، كما يعد أيضا أول منتخب عربي يتوج بكأس آسيا، وكان ذلك في 1980.

وفي كأس الخليج، يتربع المنتخب الكويتي على عرش الأكثر تتويجا بالبطولة، بـ10 ألقاب.

لكن هذا المجد تعرض لضربة موجعة، عندما أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) النشاط الرياضي في الكويت في أكتوبر2007 بسبب التدخل الحكومي، قبل أن يرفعه بعد أسبوعين.

وعاد الفيفا لإيقاف نشاط الكويت الرياضي في 2008، ثم رفعه بعد شهرين.

وفي 2012 تم إيقاف الكويت أولمبيا من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، قبل أن ترفع الإيقاف عنها في 2012.

وفي 2015 أيضا عاد الفيفا ليوقف نشاط الكويت الكروي بسبب تدخل مجلس الأمة في استقلالية العمل الرياضي، قبل أن يرفعه في 2017.

وأدت هذه الأزمات إلى تراجع واضح للكرة الكويتية، خصوصا المنتخب، الذي لم يتأهل إلى آخر 3 نسخ من كأس آسيا (بما فيها 2019 التي أثر الإيقاف على مشواره في تصفياتها).

بينما ظل يخرج من بطولته المحببة كأس الخليج من دور المجموعات منذ 2010.

للوقوف على جذور أزمة الكرة الكويتية وأسباب وصولها إلى الوضع المترد حاليا، استطلع "وثائقي بلينكس" آراء عدد من الفاعلين في المشهد الكروي الكويتي، وجاءت رؤاهم متباينة عن الأسباب الحقيقة لهذا التراجع.

ورأى اللاعب الدولي السابق والعضو السابق في مجلس الأمة الكويتي عبدالله المعيوف أن مشكلة الكرة الكويتية تكمن بداية في افتقادها للقائد الملهم.

وقال المعيوف لبلينكس: "مشكلة الرياضة الكويتية تمكن في افتقادها للقائد، منذ وفاة الشيخ فهد الأحمد (رئيس الاتحاد السابق)، افتقدنا القائد الرياضي".

وعلى خطى المعيوف، سار رئيس رابطة مشجعي منتخب الكويت في مونديال 1982 جواد القبقب، وقال إن فهد الأحمد كان مختلفا، وهو من أسس الرابطة، وكان باستمرار يذلل كل الصعاب.

وبدوره، ربط المؤرخ حسين البلوشي بين تراجع الكرة الكويتية، وانهيار سوق المناخ في 1983، وهي سوق غير رسمية للتداولات المالية في الكويت.

ورأى البلوشي أن سوق المناخ هي السبب الأبرز لهبوط مستوى الكرة الكويتية، لجهة أنها كانت الممول الرئيسي لأنشطتها.

وبدوره، رأى نجم المنتخب الكويتي السابق فتحي كميل أن سبب هبوط مستوى الكرة الكويتية هو تبخر المواهب من الساحة، وبدا أكثر تشاؤما بالتأكيد على استحالة عودة الكويت إلى المونديال، لهذا السبب.

أما نجم الكرة الكويتية السابق مساعد ندا العنزي، فرأى أن سبب التدهور هو انتشار المحسوبية والعلاقات الشخصية، والمجاملات، وقال: "تجد في ناد ما شخصا مؤثرا، وآخر يتولى منصبا، وهما وغيرهما ليست لهم علاقة بالرياضة".

وبدوره، عزا مصطفى مراد الذي يعمل مدربا في إحدى الأكاديميات تراجع الكرة إلى ضعف الاهتمام والتأهيل، وقال إنه توجد مواهب بحجم الأسطورة بدر المطوع، بل أفضل منه، لكن ينقصها الاهتمام.

ومن جهته، أرجع خبير كروي رفض الإفصاح عن نفسه الأمر إلى غياب الرؤية، وقال: "لا توجد رؤية يمكن قياسها، والتحقق من مدى تنفيذها.. هذا هو السبب".

رغم نجاح وثائقي بلينكس في تحديد الأطراف الأصيلة في ملف تراجع الكرة الكويتية، فإن الجميع ظل يقذف كرة المسؤولية تجاه الطرف الآخر، والذي يحولها بدوره إلى آخر.

وقد يوجه البعض أصابع الاتهام إلى مجلس الأمة الكويتي المتهم في الإيقاف الطويل والمؤثر بالتدخل في الشأن الرياضي، لكن العضو السابق فيه عبدالله المعيوف ألقى بالأمر بعيدا عن المجلس.

وقال المعيوف لبلينكس: "مشكلتنا هي أننا لا نعرف ما هي رؤية الدولة تجاه الرياضة وماذا تريد منها".

وأضاف: "مجلس الأمة وأعضاؤه هم مجرد أشخاص يضعون قانونا ويصوتون عليه، ويسلم للحكومة التي هي من يقرر تنفيذه أم لا".

لكن الحكم الدولي السابق ومدير المنتخب الكويتي السابق عبدالوهاب البناي، برأ ساحة الحكومة الممثلة للدولة.

وقال البناي: "الإشكال في الجهة التي تدير كرة القدم من اتحادات وأندية، الدولة إن وجدت من تثق واقتنعت برؤيته ستدعمه بالملايين".

وهنا تطل الهيئة العامة للرياضة في الكويت، بوصفها الطرف المسؤول عن الإدارة والتخطيط، لكن لاعب المنتخب السابق ونائب رئيس الهيئة العامة للرياضة حاليا بشار عبدالله أعاد الكرة مرة أخرى إلى الحكومة ومجلس الأمة.

وقال: "دور الهيئة تغير على مر السنين، خصوصا بعد 2017 عقب صدور القانون رقم 87، والذي قيد من صلاحيات الهيئة، وباتت بعده مسؤولة فقط عن الجانب المالي وبنود الصرف".

تخطى عبدالله المعيوف سؤال المسؤول عن التراجع بشكل جمعي، إلى المتسبب في إيقاف الفيفا، الذي يعد أحد أبرز أسباب التراجع.

وقال المعيوف لبلينكس: "تم إيقافنا بسبب شكوى، والسبب أن هنالك تدخلا حكوميا يتعلق بتغيير القوانين، لكننا فوجئنا بعدم تحقيق الفيفا في الأمر، ليأتي القرار مباشرة".

وأضاف: "مجلس الأمة لم يتدخل في تنظيم عمل الاتحاد أو الانتخابات، تدخلنا في الجانب المالي للتحقق من مدى صرف الأموال، والانتخابات للتأكد من عدم وجود تجاوزات".

وعن تسرع الفيفا في إصدار حكمه على الرياضة الكويتية، قال المعيوف: "كان هنالك صراع، ويبدو أن الطرف الثاني كان أقوى من الحكومة والمجلس في تثبيت الإيقاف، أي كان هنالك تعمد، سواء من اللجنة الأولمبية الدولية أو الفيفا أو المجلس الأولمبي الآسيوي".

وبعيدا عن وثائقي بلينكس وإفادات المستطلعين فيه، كان مدير عام هيئة الشباب والرياضة الكويتي جاسم الهويدي قد اتهم في حوار عام 2015، الشيخ طلال الفهد رئيس اللجنة الأولمبية الكويتية بالتسبب عمدا في إيقاف الكويت من الفيفا، فيما لمح إلى دور شقيقه الشيخ أحمد الفهد في هذا الأمر رغم عدم صلته المباشرة.

يرى المدير العام السابق لهيئة الرياضة الكويتية فيصل الجزاف أن الحل لخروج الكرة الكويتية من أزمتها واستعادة بريقها يكمن في ضرورة إيجاد حوكمة شاملة ونهج إداري قويم، وأشار إلى أن هنالك قانونا جاهزا يحمل 24 تشريعا، سلمه من قبل إلى وزير الشباب عبدالرحمن المطيري.

أما اللاعب السابق مساعد ندا فرأى أن الحل يكمل في تأهيل اللاعبين، إذ يعاني غالبيتهم من بنية جسمانية هذيلة، وهو نفس رأى المؤرخ حسن البلوشي.

وأشار الخبير الكروي الذي فضل حجب هويته لبلينكس إلى أن الأمر يحتاج أولا إلى الاهتمام بالبنية التحتية وصيانة الملاعب المتهالكة، واستشهد بواقعة انهيار مدرج استاد جابر خلال خليجي 23 في 2018 مما تسبب في إصابات بين جماهير عمان.

ورأى فتحي كميل أن الحل يتمثل في توقف الإداريين الجدد عن نهجهم بإزاحة من سبقوهم، دون مراعاة للخبرات التراكمية.

أما وكيل اللاعبين عبدالله البلوشي فقال إن الحل السليم هو تدخل الحكومة وتركيزها على المواهب الشابة وضخ أموال في جسد الرياضة.