كرة قدم
تضع جماهير منتخب إنكلترا آمالا كبيرة على المدرب الجديد للفريق، الألماني توماس توخيل، في كسر النحس التاريخي الذي يعانيه "الأسود الثلاثة"، وقيادتهم للعودة إلى منصات البطولات بعد غياب طويل.
ويمتلك المنتخب الإنكليزي لقبا كبيرا وحيدا في تاريخه هو كأس العالم 1966، التي تحققت على أرضه بعد فوز مثير للجدل على ألمانيا في النهائي بنتيجة 4-2 في مباراة امتدت للأشواط الإضافية.
ويعني ذلك أنه عند مشاركة "الأسود الثلاثة" في كأس العالم المقبلة 2026 المقررة في أميركا وكندا والمكسيك (حال التأهل إليها بالطبع)، ستكون مرت 60 عاما بالتمام والكمال على التتويج الأخير والوحيد في تاريخ إنكلترا بالبطولات الكبرى.
فهل يكون توماس توخيل على قدر الطموحات والأحلام؟.. وهل يتمكن من قيادة إنكلترا لثاني لقب كبير في تاريخها بعد غياب 6 عقود؟..
كان مدرب إنكلترا السابق غاريث ساوثغيت، الذي تولى المسؤولية لـ8 سنوات (2016 إلى 2024) قريبا من كسر لعنة الأسود الثلاثة مع البطولات، حيث تجاوز حاجز الخروج المبكر من ربع نهائي البطولات الكبرى في 3 من 4 بطولات خاضها.
وكانت البداية في مونديال 2018 بروسيا، عندما وصلت إنكلترا إلى نصف النهائي للمرة الأولى منذ 28 عاما في البطولة، ولأول مرة في بطولة كبرى منذ 22 عاما، قبل أن تخسر من كرواتيا 1-2 في مباراة درامية بعد وقت إضافي.
وزادت الإرهاصات بقرب كسر نحس البطولات بالوصول إلى نهائي كأس أمم أوروبا "يورو 2020"، والذي خسره الأسود الثلاثة أمام إيطاليا بركلات الترجيح بعد التعادل 1-1.
وفي مونديال 2022 خرج الإنكليز من ربع النهائي بالخسارة من حامل اللقب فرنسا 1-2 في مباراة أهدر فيها هاري كين ركلة جزاء كانت كفيلة بتغيير الأوضاع، بينما وصلوا إلى نهائي يورو 2024 وخسروا أمام إسبانيا بنتيجة 1-2.
تلك الإرهاصات التي لم تكتمل بالتتويج بالبطولات دفعت الاتحاد الإنكليزي للتفكير في تغيير العقل المدبر، وهو المدرب ساوثغيت، الذي واجه انتقادات كبيرة بأن سياساته كانت سببا في الفشل في التتويج بالبطولات رغم ملامسة عرشها.
وأكدت الكثير من الأصوات أن ساوثغيت الذي لم يخض تجارب كبرى قبل قيادة إنكلترا لا يمتلك الخبرة الكافية للتتويج بالبطولات، وهو ما جعله يفشل في تحقيقها رغم امتلاكه نخبة من أفضل لاعبي العالم، مما يتحتم معه التعاقد مع مدرب خبير.
وسعى الاتحاد الإنكليزي للتعاقد مع الإسباني بيب غوارديولا، الذي يعد أكثر المدربين المتوجين بالبطولات في السنوات الأخيرة، لكنه لم ينجح في ذلك، ليستقر الرأي على توماس توخيل صاحب الخبرة في الملاعب الإنكليزية والتتويج بالألقاب أيضا.
كانت تجربة توخيل مع تشيلسي الإنكليزي هي بوابة مروره إلى منتخب إنكلترا، بعدما تمكن في مفاجأة كبرى من قيادة الفريق لتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا 2021 على خلاف التوقعات، وتبعه بالفوز بالسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، بينما خسر 3 نهائيات محلية.
وتولى توخيل تدريب تشيلسي في يناير 2021 خلفا لفرانك لامبارد الذي أقيل لسوء النتائج، وتسلم الفريق في المركز التاسع في جدول ترتيب الدوري الإنكليزي "بريميرليغ"، وأنهى به الموسم رابعا ليشارك في دوري أبطال أوروبا الموسم التالي.
وعلى الصعيد القاري، قاد توخيل تشيلسي في الأدوار الإقصائية حيث فاز على أتلتيكو مدريد الإسباني العنيد ذهابا وإيابا في ثمن النهائي، وأقصى بورتو البرتغالي من ربع النهائي بالفوز 2-1 بمجموع المباراتين.
وفي نصف النهائي فرض تشيلسي توخيل التعادل على ريال مدريد 1-1 في إسبانيا وفاز عليه 2-0 في إنكلترا، ليتأهل للنهائي الذي فاز فيه على مواطنه مانشستر سيتي بقيادة الخبير الأكبر بالبطولات بيب غوارديولا، وفاز عليه بهدف دون رد.
وبخلاف ذلك وصل الفريق لنهائي كأس الاتحاد الإنكليزي، لكنه خسر بغرابة أمام ليستر سيتي 0-1.
وفي الموسم التالي، تعثر الفريق في الدوري وأنهاه سادسا، ووصل لنهائي كأس الرابطة الإنكليزية وكأس الاتحاد الإنكليزي وخسر في المرتين بركلات الترجيح أمام ليفربول.
بينما في دوري أبطال أوروبا خرج الفريق من ربع النهائي أمام ريال مدريد بعد مواجهة ملحمية، خسر فيها على أرضه 1-3 ذهابا قبل التقدم في عقر دار ريال مدريد إيابا بالنتيجة ذاتها، لتمتد المباراة لأشواط إضافية ويحسمها كريم بنزيما بهدف، ليقود الملكي لمواصلة حملته للتتويج.
وربما تأثر تشيلسي توخيل في موسمه الثاني 2021-2022 بالاضطرابات الإدارية التي عاشها النادي والتي أجبرت مالكه الروسي رومان أبراموفيتش للتخلي عنه لصالح الأميركي تود بويلي، ليضطر توخيل هو الآخر للرحيل في سبتمبر 2022، مع بداية الموسم الجديد.
حصد توخيل ألقابا مع كل الفرق الكبرى التي تولى قيادتها، بداية من بروسيا دورتموند (أبريل 2015 إلى مايو 2017) الذي فاز معه بكأس ألمانيا، وباريس سان جيرمان (مايو 2018 إلى ديسمبر 2020) الذي حقق معه 6 ألقاب محلية ووصل معه لنهائي دوري أبطال أوروبا 2020 وخسر من بايرن ميونخ.
ومع تشيلسي حقق الألقاب الثلاثة سالفة الذكر، قبل أن يتولى قيادة بايرن ميونخ (مارس 2023 إلى مايو 2024)، والذي فاز معه بالدوري الألماني فقط.
وعلى ذكر البطولات فإن جماهير إنكلترا تلقت رسالة مفاجئة، بشكل غير مباشر، مكونة من 3 كلمات تلعب على هذا الوتر الملتهب لديها، بسبب غياب الألقاب منذ 58 عاما.
وجاءت الرسالة الصريحة في معناها من المديرة التنفيذية السابقة لنادي تشيلسي، الروسية مارينا غرانوفسكايا، التي كتبت عبر حسابها على "إنستغرام" تلك الرسالة القصيرة: "توماس يعرف الألقاب"، مرفقة إياه بصورتهما مع دوري أبطال أوروبا.
وأكدت تلك الرسالة على أن الهدف الذي جاء توخيل من أجله وهو التتويج بالبطولات متوافر لدى المدرب الألماني، مما قد يجبر الجماهير الإنكليزية على الانتظار لتحقيقه، رغم الانتقادات والأصوات التي كانت تطالب بمدرب وطني.
واجه تعيين توخيل انتقادات من بعض الخبراء والمحللين والنجوم السابقين الذين طالبوا بتعيين مدرب إنكليزي لقيادة منتخب البلاد، استنادا إلى عدم نجاح التجارب السابقة للأجانب مع الفريق في كسر نحس البطولات رغم النتائج المقبولة.
وتولى تدريب إنكلترا مدربون أجانب في مناسبتين، الأولى في الفترة من 2001 إلى 2006 عبر السويدي سفن غوران إريكسون، والثانية بين 2007 و2012 مع الإيطالي فابيو كابيلو.
وخاض الأسود الثلاثة مع إريكسون 3 بطولات كبرى، حيث خرجوا من ربع نهائي مونديال 2002 أمام البرازيل البطلة اللاحقة بالهزيمة 1-2، ومن الدور ذاته في يورو 2004 بالخسارة من البرتغال صاحبة الأرض بركلات الترجيح.
وفي مونديال 2006 ودعت إنكلترا من ربع النهائي مجددا وأمام البرتغال مرة أخرى، بسيناريو ركلات الترجيح ذاته، بعد التعادل السلبي في مباراة تعرض فيها المهاجم واين روني للطرد قبل نحو 30 دقيقة من نهاية الوقت الأصلي.
ومع كابيلو، خاض الإنكليز أيضا بطولتين كبريين، بدأتا بمونديال 2010 الذي ودعوه من ثمن النهائي بخسارة كبيرة أمام ألمانيا 1-4، ثم يورو 2012 التي خرجوا منها أمام بلاد كابيلو بركلات الترجيح بعد التعادل السلبي.
لكن تتويج توخيل بدوري أبطال أوروبا يمنح الكثيرين تفاؤلا بإمكانية تتويجه بالألقاب مع منتخب إنكلترا، استنادا للتجارب التاريخية لبعض المدربين البارزين الذين تمكنوا من التتويج بالبطولات أو تحقيق نتائج مميزة مع المنتخبات التي تولوا تدريبها عقب فترتهم مع الأندية.
ويأتي على رأس هؤلاء الإيطالي مارشيلو ليبي، الذي قاد عدة أندية كبرى وتوج بدوري أبطال أوروبا مع يوفنتوس عام 1996، قبل أن يتجه لتدريب إيطاليا وينجح في 2006 في الفوز بكأس العالم التي أقيمت بألمانيا.
كما تبرز أيضا تجربة الإسباني المخضرم فيسنتي ديل بوسكي المتوج مع ريال مدريد بدوري الأبطال في 2000 و2002، قبل أن يتوج مع إسبانيا بكأس العالم 2010 ويورو 2012.
كان توخيل، صاحب الـ51 عاما، ذكيا ولماحا خلال المؤتمر الصحافي لتقديمه، حيث أكد على حقيقة أنه تم التعاقد معه لغرض واحد هو الفوز بكأس العالم 2026، وهو ما كان واضحا من مدة العقد (18 شهرا)، التي تبدأ في يناير 2025 وتنتهي بنهاية المونديال.
وقال توخيل بكل صراحة: "أدركت سريعا أن مهمتي كبيرة بمجرد أن حددت في ذهني الفترة من يناير إلى كأس العالم.. شعرت بالإثارة لأن ذلك يناسب شغفي.. وكوني جزءاً من هذا الاتحاد سيدفعني للأمام لمحاولة وضع نجمة ثانية على القميص".
وكشف الإعلامي بيرس مورغان، في مقال له بصحيفة "الصن" البريطانية، عن عدد من العوامل التي تجعل توخيل الخيار المثالي لتدريب منتخب إنكلترا، وعلى رأسها ثقته المفرطة في نفسه، والتي وصفها بالمخيفة لكنها ضرورية.
وأضاف أنه بجانب معرفته بروشتة الفوز بالبطولات، وكيفية التعامل معها، وخبرته بالكرة الإنكليزية، فإنه يجب إنكلترا بشكل خاص، ويحب كرتها ولاعبيها، كما أنه يمتلك أساليب تدريب خاصة غير عادية استلهمها من قراءاته الفلسفية.
وتأثر توخيل في ذلك بالعالم الألماني فولغانغ شولهورن، الذي تميز بقدرته على إجبار طلابه على إيجاد حلول جديدة للمشاكل، وله مقولة شهيرة مفادها: "لو أردنا الحصول على أداء استثنائي فعلينا أن نتدرب بشكل غير عادي"، وهو ما يطبقه توخيل.
كما أن المدرب الألماني يمتلك القدرة على توظيف لاعبيه بالشكل الأمثل، والقدرة على التعامل مع النجوم وإدارتهم، وتحفيز لاعبيه بكل الأساليب الممكنة، وهقلية الهيمنة على كل شيئ، وهو ما يجعل لديه نهم التتويج بالبطولات التي تتوق إليها إنكلترا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة