كرة قدم
.
واصل قطار برشلونة الإسباني انطلاقته الصاروخية خلال الموسم الحالي على كل الأصعدة، محققا فوزا ثأريا كبيرا على بايرن ميونخ الألماني بنتيجة 4-1، خلال المباراة التي جمعتهما (الأربعاء)، في ثالث جولات دوري أبطال أوروبا.
ونجح برشلونة بامتياز، خلال المباراة التي اعتبرها كثيرون أول اختبار حقيقي لقدرات الفريق الكتالوني مع مدربه الألماني الحالي هانز فليك، الذي تولى قيادته في يونيو الماضي، ويقوده خلال الموسم الحالي لتحقيق نتائج مميزة، لم تتحقق منذ سنوات طويلة.
ورغم تلقي هزيمتين مفاجئتين، محليا وأوروبيا، فإن برشلونة الحالي أعاد إلى الأذهان تلك الحقبة التي تولى فيها الإسباني بيب غوارديولا تدريب الفريق، وفرض خلالها هيمنته على البطولات المحلية والأوروبية، قبل أن يبدأ منحنى نتائج الفريق في الانحدار ليلامس القاع في السنوات الأخيرة.
فهل عاد برشلونة بالفعل مع هانز فليك إلى عصر غوارديولا؟.. وهل ستعود الهيمنة الكتالونية على البطولات الإسبانية والأوروبية خلال الفترة المقبلة بعد فترة من الضياع؟
تولى بيب غوارديولا تدريب برشلونة في موسم 2008-2009، في أول تجربة كبرى له بعدما كان يدرب الفريق الرديف بالنادي، ليخلف الهولندي فرانك ريكارد على مقعد المدير الفني، بعدما عاش الفريق مع الأخير عامين من الانهيار رغم موسمه الأول المميز.
ورغم تشكيك الكثيرين في إمكانيات المدرب الواعد صاحب الـ37 عاما حينها، فإن غوارديولا تمكن من صناعة فترة استثنائية في تاريخ برشلونة، لم تتكرر على مر العصور، مستعينا بنخبة من اللاعبين الواعدين من أكاديمية لاماسيا، يقودهم الأسطورة الأرجنتيني ليونيل ميسي.
وفي موسمه الأول مع برشلونة، قاد غوارديولا الفريق للفوز بكل البطولات التي يخوضها، محققا سداسية تاريخية لم يحققها أي فريق قبله، بداية من الدوري الإسباني، وكأس الملك والسوبر الإسباني، ومعها البطولة الأهم وهي دوري أبطال أوروبا، بجانب السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.
وكان ذلك الموسم الناري إعلانا لكل كبار القارة العجوز بمولد فريق تاريخي جديد، سيفرض هيمنته على كل البطولات لعدة سنوات مقبلة، وهو ما حدث بالفعل، رغم شدة لمنافسة.
وفي الموسم التالي لغوارديولا 2009-2010، فاز برشلونة بالدوري وودع الكأس من ثمن النهائي أمام إشبيلية، وودع دوري أبطال أوروبا من نصف النهائي أمام إنتر ميلان الإيطالي البطل اللاحق بقيادة البرتغالي جوزيه مورينيو، بعد مواجهة نارية، بينما فاز بالسوبر الإسباني.
وفي 2010-2011 استأنف برشلونة غوارديولا مشوار الهيمنة باستعادة لقب دوري أبطال أوروبا، والاحتفاظ بالدوري الإسباني للموسم الثالث على التوالي، واحتفظ أيضا بالسوبر الإسباني، بينما خسر نهائي كأس الملك أمام ريال مدريد، وفاز بعد ذلك بالسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.
بينما في موسمه الأخير، اكتفى غوارديولا بتحقيق كأس الملك فقط، بينما خسر الدوري لصالح ريال مدريد، وودع دوري الأبطال من نصف النهائي أمام تشيلسي الإنكليزي البطل اللاحق، ليقرر الرحيل عن القلعة الكتالونية، بعدما قادها لتحقيق 14 بطولة متنوعة، بينها 3 دوري إسباني ولقبان لدوري الأبطال.
الحقبة التاريخية التي عاشها برشلونة مع غوارديولا جعلته يسير بفعل القصور الذاتي لعدة سنوات، جمع فيها بعض البطولات، لكنه لم يكن ذلك الفريق المرعب الذي صنعه الفيلسوف، رغم حقيقة أن أغلب لاعبيه كانوا هم أنفسهم رجال بيب، وهو ما ساعد في مواصلة تحقيق بعض الألقاب.
وتولى المسؤولية خلفا لغوارديولا مساعده تيتو فيلانوفا، الذي قاد الفريق في موسم واحد فقط وحقق معه الدوري الإسباني، قبل أن يتنحى عن منصبه لإصابته بالسرطان الذي توفي متأثرا به بعدها، وخلفه الأرجنتيني جيراردو مارتينو في موسم 2013-2014، والذي توج بالسوبر الإسباني فقط.
حقبة لويس إنريكي (2014 - 2017) كانت استثناء من فترة الانحدار، حيث استعاد فيها جزءا من رونقه أيام غوارديولا، وإن كانت الهيمنة برزت أكثر على الصعيد المحلي.
وحقق "برشلونة إنريكي" الدوري الإسباني في أول موسمين، بينما هيمن على كأس الملك في المواسم الثلاثة، وحقق السوبر الإسباني مرة واحدة، بينما على صعيد دوري أبطال أوروبا توج بلقب واحد في موسمه الأول 2014-2015، وأرفقه بمونديال الأندية والسوبر الأوروبي، فيما خرج من ربع النهائي أمام مواطنه أتلتيكو مدريد ويوفنتوس الإيطالي في الموسمين التاليين.
كان فشل برشلونة في تجاوز ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لموسمين متتاليين للمرة الأولى منذ 2005 إيذانا بدخول الفريق نفقا مظلما في البطولة القارية، أبعده عن تحقيق اللقب منذ 2015 وحتى الآن.
فبعد رحيل إنريكي، تولى مواطنه إرنستو فالفيردي المسؤولية لمدة موسمين ونصف، حقق خلالها 4 ألقاب محلية، بينها لقبان للدوري الإسباني ولقب لكأس الملك ومثله للسوبر الإسباني.
بينما ودع "برشلونة فالفيردي" دوري أبطال أوروبا من ربع النهائي في أول موسم أمام روما الإيطالي بعد ريمونتادا مثيرة، ثم من نصف النهائي في الموسم التالي أمام ليفربول الإنكليزي بريمونتادا أكثر إثارة، قبل أن تتم قالته في منتصف الموسم التالي ويكمل المهمة مكانه كيكي سيتين.
وقضى سيتين نحو 8 أشهر في مهمته، كانت بداية الحقبة السوداء، حيث تلقى خلالها أسوأ هزيمة في تاريخ برشلونة الأوروبي بنتيجة 2-8 أمام بايرن ميونخ الألماني الذي كان يدربه حينها هانز فليك، وكانت تلك الهزيمة هي القشة التي أضاعت هيبة برشلونة القارية بشكل تام.
تولى الهولندي رونالد كومان مسؤولية برشلونة بعدها لموسم كامل ونحو شهرين في الموسم التالي، وحقق مع الفرق لقبا واحد هو كأس الملك، بينما خسر نهائي السوبر الإسباني، وودع دوري الأبطال من ثمن النهائي في موسمه الأول، وتركه في حالة يرثى لها في الموسم التالي أدت لخروجه من المجموعات بعدها.
وتسلم الراية بعد كومان تشافي هيرنانديز، الذي لم تسعفه خبراته في انتشا الفريق من عثرته، فقدم معه بعضا من أسوأ عروضه في دوري أبطال أوروبا، وودع من المجموعات مرتين متتاليتين، والثالثة خرج من ربع النهائي أمام باريس سان جيرمان الفرنسي.
وخلال موسمين ونصف، حقق تشافي مع برشلونة بطولتين فقط، هما الدوري الإسباني والسوبر الإسباني، ليصل بحصيلة خلفاء غوارديولا في 12 عاما إلى 18 بطولة عبر 7 مدربين، مقابل 14 بطولة للفيلسوف في 4 أعوام.
جاءت انطلاقة فليك التاريخية خلال الموسم الحالي لتبشر عشاقه ومحبيه بإمكانية عودة برشلونة غوارديولا من جديد، والذي هيمن على البطولات المحلية والقارية، بنخبة من اللاعبين الواعدين والنجوم المخضرمين.
وتمكن فليك خلال أول 13 مباراة له مع برشلونة من الفوز في 11 مباراة مقابل تلقي هزيمتين فقط، ليتصدر الدوري الإسباني، ويسير بخطة ثابتة في دوري أبطال أوروبا نحو مراكز المقدمة المؤهلة مباشرة إلى الدور الثاني.
وبخلاف الأرقام والنتائج، أعاد المدرب الألماني هيبة الفريق الكتالوني، ومستوياته المميزة، ونتائجه الكاسحة، وعروضه الممتعة، والتي كان يقدمها خلال فترة "تيكي تاكا" غوارديولا.
وأصبحت تشكيلة الفريق الكتالوني الحالية تضم نخبة من اللاعبين الواعدين صغار السن الذين يضمنون لبرشلونة تكوين فريق للمستقبل يمكن أن يهيمن على كل البطولات لسنوات طويلة مقبلة، فضلا عن عناصر الخبرة القادرة على إفادة الفريق بعصارة مسيرته الطويلة في الملاعب.
وتمكن فليك من خلط كل تلك العناصر في بوتقة واحدة، مستعينا بمواهب أكاديمية لاماسيا، الذين أصبحوا يشكلون القوام الرئيسي للفريق، كما فعل غوارديولا في حقبته بالاعتماد بشكل أساسي على لاعبين مثل تشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا وسيرجيو بوسكيتس وميسي وتياغو ألكانتارا وغيرهم.
ومثلما كانت موقعة بايرن ميونخ هي أول اختبار حقيقي لقدرات برشلونة فليك، فإن الكلاسيكو المرتقب أمام ريال مدريد سيكون الاختبار الثاني، والذي سيثبت بالفعل ما إذا كان فريق المدرب الألماني سيستطيع الصمود والهيمنة من جديد على البطولات، أم أنه ستتم السيطرة عليه، وتجنب لدغاته وإبقاؤه في خانة المنافسة القوية فقط.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة