ترامب يخنق كرة القدم.. "ضرائب" جزائية و"ركلات" جمركية
وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدة صفعات إلى صناعة كرة القدم على مستوى العالم، بعد سلسلة القرارات الأخيرة له، والتي تضمنت فرض رسوم جمركية كبيرة واسعة النطاق على الواردات الأجنبية من أغلب دول العالم.
وكان ترامب فرض رسوما جمركية بنسب مختلفة على الواردات من عدة دول من شتى أنحاء العالم، اعتبارا من 5 أبريل الحالي، تبدأ بضريبة أساسية بنسبة 10%، وتختلف حسب البلد أو التكتل الإقليمي، مثل الاتحاد الأوروبي.
كما تم فرض عقوبات على ما يصل إلى 60 دولة، تتهمها إدارة الرئيس الأميركي بسوء استخدام التجارة ضد الولايات المتحدة لعقود طويلة، تأتي على رأسها الصين والاتحاد الأوروبي، ودول شرق آسيا، بداية من يوم 9 أبريل الحالي.
وعلى الرغم من أن كرة القدم ليست منتجا ملموسا يتم استيراده وتصديره، حتى يتأثر برسوم ترامب الجمركية، فإن الصناعة ككل لن تكون بعيدة عن التأثر بتلك القرارات التي تعد بمثابة ركلات حرة مباشرة وغير مباشرة، بل وتصل إلى درجة الضربات الجزائية إلى اللعبة الشعبية الأولى في أغلب دول العالم.. فكيف ستتأثر كرة القدم بقرارات الرئيس الأميركي؟
علامات تجارية في مهب الريح.. وعقود رعاية مهددة
صحيفة "آس" الإسبانية نشرت تقريرا يسلط الضوء على التأثيرات المنتظرة للرسوم الأميركية الجديدة على عالم كرة القدم، مدللة على ذلك بآراء بعض الخبراء والمتخصصين في مجال اقتصاديات الساحرة المستديرة.
خوسيه بونال، أستاذ إدارة الرياضة العالمية في الجامعة الأوروبية، يرى أن هذه الرسوم الأميركية قد تُثير ردود فعل سلبية أوسع نطاقا، بما يستدعي قيام دول أو كيانات مقابلة على رأسها الاتحاد الأوروبي بالرد عليها، مما سيخلق حالة من الكراهية لأميركا وأوروبا.
وأضاف أن تلك الحالة من الكراهية ستؤدي بالطبع لرفض العديد من العلامات التجارية التي تحظى بانتشار واسع على الصعيد الرياضي في شتى أنحاء العالم، مثل "نايكي" و"ريبوك"، لتبدأ أوروبا في تفضيل شركائها الآسيويين، والعكس صحيح بلجوء أندية القارة الصفراء للتعاون مع العلامات التجارية الأوروبية مثل "أديداس" و"بوما".
كما سيمتد الأمر إلى عقود الرعاية، حيث حذر بونال من أن الأندية الأوروبية ستتردد في العمل مع شركاء أمريكيين مستقبلا بسبب السياسات التي تضر باقتصاداتها المحلية، مستشهدا بانخفاض مبيعات شركة تسلا بنسبة 13% والهجمات على سياراتها بعد أن بدأ مالكها إيلون ماسك تحالفه الوطيد مع ترامب.
ورغم ذلك فإن بونال توقع عدم تأثر الرعايات الكبرى للأندية بشكل كبير بالأمر، كتلك التي تشمل ريال مدريد أو برشلونة الإسبانيين، موضحا: "أسواق برشلونة في الولايات المتحدة وآسيا بالغة الأهمية، الأمر كله يتعلق بالأرقام.. نعم، سيكون هناك تأثير، لكنه قد لا يكون جذريا".
ملاعب جديدة مهددة.. وتطويرات متعثرة
من جانب آخر، سلط غابرييل سان ميغيل، مدير العلوم والرفاهية في شركة beBartlet، الضوء على أن الرسوم الجمركية المفروضة ستؤدي إلى ارتفاعات محتملة في تكاليف بناء الملاعب الجديدة، أو إتمام الإصلاحات والتوسعات والتطويرات القائمة في بعض الملاعب القديمة.
وقال غابرييل في هذا الصدد: "الرسوم الجمركية على مواد مثل الصلب والألومنيوم ستؤدي إلى زيادة تكاليف الملاعب الجديدة أو مشاريع التجديد، مما قد يؤخر الجداول الزمنية أو يُرهق الميزانيات"، مشددا على أن هذا الأمر يزداد أهمية مع قرب استضافة أميركا لكأس العالم 2026 وقبلها مونديال الأندية 2025، وبعدها أولمبياد لوس أنجلوس 2028.
ويشار في هذا الصدد إلى أن ناديا مثل برشلونة الإسباني الذي يقوم حاليا بتجديد ملعبه التاريخي كامب نو عانى من تأخير أكثر من مرة في موعد تسليم الملعب وإتمام عملية التجديد بسبب أوضاعه الاقتصادية الصعبة، التي تسببت في ارتفاع تكاليف العملية بسبب التأخير، وهي التكاليف التي قد ترتفع أكثر وأكثر مع الرسوم الأميركية الجديدة، بما قد يعني تأخيرا جديدا في عودة الملعب التاريخي للظهور من جديد.
ووفقًا للخبير المالي، البروفيسور روب ويلسون، في تصريحات نشرها موقع "جول" العالمي، فإن رسوم ترامب قد تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي ووقف تقدم عدد من الأندية المملوكة أمريكيا، بما في ذلك ريكسهام ومانشستر يونايتد وتشيلسي وليفربول في إنكلترا.
وأضاف أن احتمال إعادة نظر الملاك الأمريكيين في مشاريع إعادة تطوير الملاعب في ظل حالة عدم اليقين المالي، بما في ذلك الرسوم الجمركية والتحولات الاقتصادية الأوسع، أمر وارد بالتأكيد، لا سيما في ظل توجه ناد مثل مانشستر يونايتد لإعادة بناء ملعبه ليتسع لـ100 ألف متفرج، بما قد يؤثر على التكلفة المرصودة وتسبب في زيادتها.
ركود محتمل لقمصان اللاعبين
باولو دينيس، الخبير في اقتصاديات كرة القدم وحقوق البث التلفزيوني في اللعبة، أوضح أن ارتفاع أسعار المواد الخام وغيرها في سلسلة التوريد الخاصة بمعدات وأدوات وقمصان كرة القدم قد تنتقل انعكاساته بشكل كبير إلى المستهلكين، لترتفع عليهم أسعار القمصان والسلع الرسمية الرياضية، حسب مقدار العبء المالي الذي قد تتحمله الأندية والشركات المُصنّعة.
وقال دينيس في هذا الصدد: "قد ترتفع أسعار القمصان إذا رفع الموردون الأسعار، لذا فإن الأندية قد تضطر إلى إعادة التفاوض على الصفقات أو تحميل المشجعين هذه التكاليف الزائدة"، مضيفا أن هذا الأمر "ليس الحل الأمثل، لكنه وارد، وفي النهاية، قد يقلص هذا هوامش الربح ويؤثر على حجم المبيعات وبالتالي حجم الاستثمارات في الفرق".
حقوق البث التلفزيوني.. ضربة محتملة جديدة
تشكل حقوق البث التلفزيوني مصدر دخل رئيسيا للأندية والبطولات في شتى أنحاء العالم، وجزء كبير من الإيرادات في هذا الصدد يأتي من الولايات المتحدة، وهو ما دعا باولو دينيس للتحذير من أنه إذا كان ترامب لا يزال موجودا في السلطة خلال إعادة التفاوض على العقود، فإن المستقبل يبدو غير واضح.
وأوضح دينيس في هذا الصدد: "جزء كبير من دخلنا يأتي من السوق الأمريكية.. إذا ظلت هذه السياسات سارية، فقد تتأثر طريقة توزيع الحقوق وقيمها".
يذكر أن رسوم ترامب الجمركية تعد أحدث ضربات الرئيس الأميركي التي تهدد كرة القدم بشكل خاص، والرياضة بشكل عام، بعد اقتراحه الأخير بفرض حظر دخول على رعايا العديد من الدول، بينها 43 دولة تنافس على التأهل لكأس العالم 2026 المقامة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وسيعني هذا المقترح حال تطبيقه أن الدول التي ستتمكن من التأهل بشكل رسمي للنهائيات من بين تلك القائمة التي ينوي ترامب حظرها ستواجه أزمة كبرى في دخول أميركا، قد تؤدي في النهاية إلى منعها من دخول البلاد، وبالتالي تهديد مشاركتها بالبطولة.