مهووسة بكرة القدم.. ليفربول مدينة تغوص في بحر الأحزان
اعتاد نادي ليفربول الإنكليزي تحقيق الانتصارات داخل أرضية الملعب، قبل أن يعاني من مأساة كبيرة خارجه، خاصة أثناء الاحتفال بالتتويج بالألقاب، وآخر ذلك ما شهدته المدينة يوم الإثنين الماضي.
وتُوج ليفربول بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز للمرة الثانية في تاريخه خلال حقبة البريميرليغ والـ20 بشكل عام، خلال موسمه الأول مع مدربه الهولندي أرنى سلوت الذي تولى المهمة خلفا للألماني المخضرم يورغن كلوب.
وشهدت مدينة ليفربول الساحلية، الواقعة شمال غربي إنكلترا، أجواء من الفرح والحزن.. فبينما اصطف المشجعون في الشوارع احتفالا بفوز "الريدز" بلقب الدوري الممتاز هذا الموسم، اصطدمت حافلة صغيرة بالحشد.
ماذا حدث في شوارع ليفربول؟
أفادت الشرطة المحلية بإصابة أكثر من 60 شخصا، ظل 11 منهم في المستشفى حتى الثلاثاء، بينما تم إلقاء القبض على السائق البالغ من العمر 53 عاما للاشتباه في محاولته قتل أحد المشجعين، بينما أشارت إلى أن "الحادث لا يُصنف كعمل إرهابي".
وتحولت النشوة، على الأقل بالنسبة لمن يشجعون نادي ليفربول على حساب منافسه المحلي وغريمه إيفرتون، في لحظة إلى فوضى وحزن، وفي غضون ساعات جاءت وعود بالصمود والوحدة لمدينةٍ صمدت أمام الكثير من الكوارث سابقا.
وقال آرون جونز، وهو مشجع يبلغ من العمر 28 عاما وكان قريبا وشاهد الاستجابة للطوارئ، إنه "كان من المفترض أن تكون احتفالات، لكن بدلا من ذلك فإنه سيتم تذكر هذا اليوم دائما الآن.. بدلا من موكب الكأس كما كان من المفترض أن يكون".
وأتم: "مررنا بالعديد من الكوارث في الماضي كما يعلم الجميع.. كان من المفترض أن تكون أوقاتا سعيدة، لكنها تشوهّت تماما".
كانت ليفربول من أكثر موانئ العالم ازدحاما في القرنين الـ18 والـ19، لكنها عانت عقودا من الصعوبات في القرن العشرين، وحاولت الصمود أمام قصف الحرب العالمية الثانية، وتدهور أرصفتها التي كانت تعج بالحركة، والبطالة الجماعية في عقد الثمانينيات.
وعززت تلك السنوات الصعبة صورة المدينة كمدينة ضعيفة، أو كمدينة شمالية ذات تأثير أيرلندي كبير، بعيدة عن مراكز القوة البريطانية في العاصمة لندن.
ولاحقا، جاء التجديد للمدينة التي أنجبت فرقة البيتلز في العقود الأخيرة، من خلال إعادة اكتشاف ليفربول كمكان جاذب للسياح الباحثين عن الثقافة والحياة الليلية، وكرة القدم.
وفي يوم الثلاثاء، قدمت الصفحة الرئيسية لنادي ليفربول لكرة القدم تعازيها لأولئك المتضررين من الحادث، وأشارت إلى الكوارث التي وقعت في ملعبي هيسل وهيلزبره، والتي كان لها تأثير عميق على "الريدز" وهويته أيضا.
في 29 مايو 1985، لعب ليفربول ضد فريق يوفنتوس الإيطالي في نهائي بطولة كأس أوروبا على ملعب هيسل في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وبلغت أعمال الشغب التي اندلعت قبل انطلاق المباراة ذروتها باندفاع جماهير ليفربول إلى مدرج مجاور يضم في معظمه عددا من أنصار يوفنتوس، وفي خضم الفوضى لقي البعض حتفهم دهسا أو اختناقا أثناء محاولتهم الفرار من المكان، بينما توفي آخرون عند انهيار أحد الجدران.
وأسفر الحادث عن مقتل 39 شخصا بواقع 32 من إيطاليا و4 من بلجيكا و2 من فرنسا و1 من أيرلندا الشمالية، وإصابة نحو 600 شخص.
وأُلقي باللوم الأكبر على مشجعي ليفربول في أعمال العنف، وتم القبض على 26 شخصا وأُدين 14 منهم بتهمة القتل غير العمد.
كما عزا كثيرون الفوضى إلى الحالة السيئة لملعب هيسل الذي يتسع لـ55 ألف متفرج، والذي كانت مدرجاته قديمة لا تتسع إلا للوقوف، وأسوار هشة وجدران متداعية من الداخل والخارج، بجانب سوء التنظيم من جانب الشرطة والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لتتحول الاحتفالية إلى مأساة.
بعد 4 سنوات، أدى تدافع خلال مباراة ضد نوتنغهام فورست في ملعب هيلزبره في شيفيلد إلى مقتل 97 من مشجعي ليفربول أيضا.
ووقعت الكارثة عندما سُمح لأكثر من ألفي مشجع لـ"الريدز" بالتجمع في منطقة وقوف خلف المرمى، بينما كان الملعب شبه ممتلئ، وسُحق الضحايا بأسوار مكافحة الشغب المعدنية أو دُهسوا بالأقدام، واختنق الكثيرون منهم.
وتفاقمت مأساة أخطر كارثة رياضية في بريطانيا بسبب التستر على أسبابها والأخطاء التي ارتكبتها الشرطة، ومع تفشي أعمال الشغب في كرة القدم الإنكليزية طوال ثمانينيات القرن الـ20 وكانت ذكريات هيسل لا تزال حية في الأذهان، قامت الشرطة بتأليف رواية كاذبة تلوم مشجعي ليفربول المخمورين الذين لا يحملون تذاكر والمشاغبين، ونشرتها قطاعات من وسائل الإعلام على نطاق واسع.
لكن أسر الضحايا خاضت حملات على مدار سنوات لتصحيح هذه الصورة، وحصلت في النهاية على حكم من هيئة محلفين في عام 2016 بأن الشرطة وخدمات الطوارئ كانت مسؤولة عن الكارثة وأن الضحايا "قُتلوا بشكل غير قانوني".
تعهد العديد من سكان المدينة، سواء من مشجعي ليفربول أو الغريم إيفرتون، بأنهم سوف يتحدون بعد المأساة الأخيرة.
وأصدر نادي إيفرتون بيان تعزية، وضع فيه التنافس جانبا ليقول: "كمدينة نحن نقف معا".
وقال عمدة منطقة مدينة ليفربول، ستيف روثرام، إنه سمع روايات متعددة عن أشخاص فتحوا أبوابهم حتى يتمكن الغرباء المضطربون من الاحتماء في منازلهم وسط الفوضى التي وقعت يوم الإثنين.
وأتم "عُرضت علينا خدمة توصيل الناس بالسيارات إلى وجهاتهم، هذه هي الإنسانية الحقيقية لأهل هذه المدينة العظماء".