من سيقضي على الثاني؟ ملحمة طبيب ضد الباركنسون

وبحسب غرينامير، يرجح أن تكون إصابته بالباركنسون ناتجة عن تعرضه لعقود لمادة الروتينون في تجاربه المخبرية، إذ يتذكر جيدا سكب الروتينون على قفازاته أثناء تذويبه في محاليل أخرى.

واستخدم غرينامير في بحوثه مادة الروتينون لإنتاج مرض يشبه الباركنسون عند فئران بغرض ملاحظة المرض وفهم طرق تطوره.

الروتينون مادة كيميائية تستخرج من جذور بعض النباتات وتستعمل كمبيد لقتل الحشرات. وتفيد دراسات أخرى أن تعرض المزارعين وزوجاتهم للروتينون يرفع من احتمالية الإصابة بالباركنسون.

تلقى زملاء غرينامير الخبر كالصاعقة، وعبرت لوري ساندرز الباحثة أيضا في مرض الباركنسون بكلية الطب بجامعة ديوك عن تأثرها "بشدة."

تزامن تشخيص غرينامير مع أنباء عن اقتراب العلماء من اكتشاف علاج قد يبطئ أو يوقف تقدم ثاني أكثر أمراض التحلل العصبي شيوعا بعد مرض الزهايمر.

تقدر منظمة الصحة العالمية أن حوالي 8.5 مليون شخص يعانون من مرض الباركنسون، المعروف أيضاً بالشلل الارتعاشي، والذي يعد المرض العصبي الأسرع انتشارا في العالم، حيث تزداد الإصابات بـ 90 ألف حالة كل عام.

ويصل عدد الأشخاص المصابين في الولايات المتحدة لوحدهاً إلى أكثر من مليون شخص.

في الشرق الأوسط، تأتي إيران في مقدمة الدول من حيث انتشار المرض بنحو 56 ألف إصابة، تليها كل من مصر (43,837) والجزائر (23,956) والمغرب (20,470) والعراق (14,382) والسعودية (13,291)، وفقا لدراسة حديثة.

في عام 1817، يقول الجراح الإنجليزي جيمس باركينسون إنّ الأعراض الكلاسيكية لمرض الباركنسون تشمل في المراحل الأولى ارتجاج الأيدي أو الرأس، وتصلب العضلات، وصعوبة التوازن. أما في الحالات المتقدمة، قد يواجه المرضى صعوبة في التحدث والخرف.

الأعراض الخارجية هذه لمرض الباركنسون تكون نتيجة لاختلالات وظيفية تحدث لأجزاء الدماغ المسؤولة عن انتاج وافراز مادة الدوبامين التي تعتبر ناقلاً للإشارات بين الدماغ والخلايا العصبية المسؤولة عن حركات الجسم.

لا يعتبر مرض الباركينسون قاتلا، لكن المضاعفات التي تنتج عنه، مثل الالتهاب الرئوي الناجم عن صعوبة البلع، قد تؤدي غالبا إلى الموت.

منذ سبعينيات القرن الماضي، رخصت إدارة الدواء والغذاء بأميركا استعمال مادتي ليفودوبا وكاربيدوبا كتعويض للخلل الذي يطرأ على العصبونات المفرزة للدوبامين في الدماغ، لكنها غير متوفرة في الكثير من دول العالم.

وبتناول بعض الجرعات من الدواء عبر الفم، تتحسن الحركة عند الفرد، لكن سرعان ما يتوقف الجسم عن الاستجابة لها.

يرى تود شيرر، عالم أعصاب تلقى تدريبه على يدي غرينامير، أن اكتشاف الدواء قد يكون أقرب مما يتوقعه الجميع.

وتساهم المعرفة التي روكمت في مجال البحث في تطوير أدوية يتم تجربتها سريريا بمعدل عال، حيث تشير ساندرز، إلى أن هناك أكثر من 50 تجربة سريرية تسعى لإيجاد طريقة ناجعة لإيقاف الخلايا المنتجة لمادة الدوبامين من الموت.

لكن على الرغم من هذه التجارب المفعمة بالأمل، فإن الاكتشافات المتوقعة قد تأتي بعد فوات الأوان بالنسبة لغرينامير ومرضاه الذين يعانون من مرض باركنسون. فبمجرد ظهور الأعراض الأولى مثل تلك التي عانى منها غرينامير، يعتقد أن نصف الخلايا بدأت بالاضمحلال. لكن غرينامير مُصر على قهر المرض قبل أن ينال منه.