مطاردة دخان "التبغ" مقابل البحث عن الطعام.. كيف تنجو؟

تيياميك فيري، 14 عاما، لو أنها ولدت في دولة أخرى بعيدا من ملاوي لكانت تلعب وتدرس مع الأصدقاء بالمدرسة، لكنها بدلا من ذلك كانت تقطع التبغ تحت أشعة الشمس مستخدمة مجرفة ثقيلة.

تعمل الطفلة في مزرعة تبغ تضم 18 عائلة في منطقة كاسونغو في ملاوي، وتعيش كل عائلة في كوخ من القش، تحكي قصتها للغارديان، قائلة إن 2 فقط من الفتيات الأخريات يذهبن إلى المدرسة في قريتها.

ملاوي واحدة من ١٢٤ دولة حول العالم تخصص 3.2 مليون هكتار من الأراضي الخصبة لزراعة التبغ، حتى في الأماكن التي يتضور فيها الناس جوعا، إذ تتجاوز نسبة الفقر بين مواطنيها ٥٠٪، بحسب دراسة للبنك الدولي، تدفعهم للعمل مقابل سنتات قليلة في زراعة تتسبب في وفاة شخص من بين ١٠ بالغين يتعاطون منتجات التبغ حول العالم.

ورغم استثمار هذه المساحات الشاسعة من الأراضي لزراعة التبغ، يواجه 349 مليون شخص خطر الجوع، كثير منهم في نحو 30 دولة في القارة الأفريقية، حيث زادت زراعة التبغ بنسبة 15٪ خلال العقد الماضي. و9 من بين أكبر 10 بلدان تزرع التبغ هي بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وفق منظمة الصحة العالمية.

تحكي تيياميك، قصتها مع المدرسة "تركت المدرسة التي أحبتها، وحصلت فيها على درجات جيدة جدا، ولكن المشكلة كانت أنه ليس لديها دفاتر تمارين ولا قلم لتكتب به".

حينها قال لها أساتذتها إنه من دون قلم وكتاب تمارين لا يمكنها أداء واجباتها المدرسية. وهي تحلم بممارسة التمريض، ولكنها وبدلا من ذلك تعمل بمجال زراعة التبغ، ووصفت ما تقوم به "بالعمل الشاق".

تقول منظمة الصحة العالمية أن 1.3 مليون طفل يعملون في مزارع التبغ بدلا من الذهاب إلى المدرسة.

في حين تحصر صناعة التبغ المزارعين في حلقة مفرغة من الاعتماد والمبالغة في الفوائد الاقتصادية للتبغ بوصفه محصولا نقديا، إلا أنه يساهم بأقل من 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول التي تزرعه، وتذهب الأرباح إلى الجهات الرئيسية المصنعة للسجائر في العالم، بينما يرزح المزارعون تحت عبء الديون المتعاقد عليها مع شركات التبغ، حسب منظمة الصحة العالمية.

الحكومات في جميع أنحاء العالم "تنفق الملايين لدعم مزارع التبغ"، وبالتالي فإن اختيار زراعة الغذاء بدلا من التبغ سيسمح للعالم "بإعطاء الأولوية للصحة، والحفاظ على النظم البيئية، وتعزيز الأمن الغذائي للجميع"، حسب مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس.

تشجع منظمة الصحة العالمية في حملتها هذا العام الحكومات على إنهاء الإعانات الممنوحة لزراعة التبغ واستخدام الوفورات لدعم المزارعين في الانتقال إلى محاصيل أكثر استدامة تحسن الأمن الغذائي والتغذية. ومن أهدافها:

• تعبئة الحكومات لإنهاء المعونات الممنوحة لزراعة التبغ واستخدام الوفورات في برامج استبدال المحاصيل التي تدعم المزارعين في التحول عن زراعة التبغ، وتحسين الأمن الغذائي والتغذية.

• زيادة الوعي في مجتمعات زراعة التبغ بفوائد الابتعاد عن التبغ، وزراعة محاصيل مستدامة.

• دعم الجهود الرامية إلى مكافحة التصحر والتدهور البيئي عن طريق الحد من زراعة التبغ.

• فضح جهود دوائر صناعة التبغ التي تسعى إلى عرقلة التحول إلى سبل عيش مستدامة.

شنت شركات التبغ حملات مدروسة بعناية، على مدى عقود، من خلال استخدام بعض أطباء الحنجرة للمساعدة في تخفيف مخاوف الجمهور المتزايدة من أن التدخين ضارا بشكل كبير في صحتهم، وفقا لدراسة أجراها باحثون في كلية ستانفورد للطب.

هذه الممارسة بدأت منذ عشرينات القرن الماضي واستمرت لأكثر من ٥٠ سنة. ووفق الدراسة فإن شركات التبغ سعت إلى استغلال ثقة المستهلكين في مهنة الطب كي تطمئن عملائها بأن "التدخين آمن".

استعانت أقسام التسويق في شركات إنتاج التبغ بـ"أطباء مطيعين" لإجراء "أبحاث علمية زائفة" إن السجائر آمنة، وكانت تدفع جيدا لهؤلاء الأطباء، تتابع دراسة الكلية أن "شركات التبع نجحت بالتأثير على هؤلاء الأطباء ليس للترويج لفكرة أن التدخين مفيد للصحة فحسب، ولكن للتوصية به كعلاج لتهيج الحلق".

مسلسل Mad Men الأميركي الشهير(٢٠٠٧)، ناقش طرق العمل على تسويق السجائر من خلال شركات الدعاية والإعلان في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وتطرق في إحدى حلقاته إلى "لوبي الأطباء" المروجين للتبغ.

باستخدام مستندات داخلية من شركات التبغ، راجع مؤلفو الدراسة مجموعة كبيرة من المراسلات والعقود وخطط التسويق وإيصالات الدفع التي تلقي الضوء على هذه الحملة التسويقية التي شارك فيها أطباء كبار بكل همّة.

يصف الباحثون، في الدراسة كيف حضرت شركات التبغ بانتظام في "أكشاك الضيافة" في مؤتمرات طب الأنف والأذن والحنجرة التي أعطوا منها سجائر مجانية، وأحيانا مع عبوات منقوشة بأسماء أطباء. وفي المدن الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، تم اصطحاب المتخصصين في الحنجرة إلى حفلات عشاء مميزة طُلب فيها من الأطباء "وصف" نوع السجائر الخاصة بهم للمرضى الذين يعانون من التهاب الحلق أو السعال.

عندما حاولت الحكومة، من خلال لجنة التجارة الفيدرالية، التدخل ضد هذه الحملات الإعلانية التي تروج لصحة السجائر، تم تجنيد أطباء أنف وأذن وحنجرة بارزين للدفاع عن صحة الادعاءات "الكاذبة"، وفق الورقة البحثية.

النيكوتين مادة كيميائية موجودة في التبغ تجعل الإقلاع عن التدخين أمرا صعبا. وينتج تأثيرات مُرضية في دماغ الإنسان، لكنها مؤقتة، لذلك يسعى المدخن إلى تدخين سيجارة أخرى.

وكلما دخن أكثر، زاد احتياجه إلى النيكوتين للشعور بالراحة. وعندما يحاول التوقف، يواجه تغيرات عقلية وجسدية مزعجة، وفق ما يشرح موقع مايو كلينك الصحي.

وتشمل المواقف الشائعة التي تحفز الرغبة في التدخين لدى الإنسان، وفق مايو كلينك:

• شرب القهوة.

• أخذ فترات راحة في العمل.

• التحدُّث عبر الهاتف.

• شرب الكحوليات.

• قيادة السيارة.

ويوضح الموقع أنه للتغلب على اعتماد النيكوتين وادمانه، على الشخص أن يكون على دراية بعوامل التحفيز وأن يضع خطة للتعامل معها.

لذلك عندما اكتشف كامل أن عنصر التحفيز لديه كي يدخن هو التغلب على ضغط العمل وأوقات الاستراحة مع الزملاء، يقول لموقع "بلينكس" إنه قرر التسجيل في صفوف رياضة يومية، كانت كفيلة له بإخراج الضغط النفسي وتعديل مزاجه.

ومن مخاطر التدخين، حسب موقع مايو كلينك، أن دخان التبغ يحتوي على ما يزيد عن 60 مادة كيميائية مسببة للسرطان وآلاف المواد الضارة الأخرى.

من المشكلات الصحية المختلفة التي يسببها التدخين:

• سرطان الرئة وأمراضها.

• أنواع السرطان الأخرى، مثل سرطانات الفم والحلق والمريء والحنجرة والمثانة والبنكرياس والكلى وعنق الرحم واللوكيميا، إذ يتسبب التدخين بـ30٪ من إجمالي الوفيات بالسرطان.

• العقم والعجز الجنسي.

مبادرة أطلقتها منظمتا الصحة العالمية، والأغذية والزراعة، الفاو، وبرنامج الأغذية العالمي، بهدف مساعدة آلاف المزارعين في بلدان مثل كينيا وزامبيا على زراعة محاصيل غذائية مستدامة بدلا من التبغ، حسب

يوفر البرنامج للمزارعين قروضا صغيرة لتسديد ديونهم مع شركات التبغ، فضلا عن المعرفة والتدريب لزراعة محاصيل بديلة، وتوفير سوق لمحصولهم، وذلك بفضل مبادرات الشراء المحلية لبرنامج الأغذية العالمي.