صحة

"كولد آوت".. قاتل في صيدليات العراق

نشر

.

Assad Hussein

علي*، 43 عاما، والد لثلاثة أطفال يسكن مدينة الصدر في بغداد، يشارك خوفه مع جيرانه بعدما سمع عن "دواء سام انتشر في العراق"، تحدثت عنه صحف غربية.

يحكي على أنه في حيرة من أمره بعد أن وصل إلى مسامعه اكتشاف احتواء هذا الدواء على موادّ سامة، خصوصا أنه يستخدمه لعلاج أطفاله من نزلات برد أصابتهم أكثر من مرة، يقول لبلينكس.

يبرر علي شراء هذا النوع بالتحديد "ثمنه رخيص وفعاليته جيدة حسب ما أخبرني الصيدلي في منطقتي".

عاد ملف الأدوية المهربة للعراق إلى الواجهة إثر الضجة التي حصلت بعد اكتشاف دواء هندي يحتوي على موادّ سامة تسببت في قتل أطفال عراقيين وإصابتهم بأمراض خطيرة.

فأحرجت التقارير الصحافية المؤسسات الصحية في العراق، التي سارعت للتبرير أن الدواء غير مسجل لديها، ودارت العديد من التساؤلات بشأن الرقابة الصحية المحلية على اكتشاف سمية بعض تلك الأدوية.

"كولد آوت" والسمّ

سبقت بلومبرغ في تقريرها عن الدواء السام وزارة الصحة العراقية والمؤسسات الصحية الكثيرة التابعة لها واللجان التفتيشية والرقابية التي تتبع الوزارة ونقابة الأطباء، وقالت الوكالة إن اختبارا أجرته مؤخرا أظهر وجود "تلوث بمواد كيميائية سامة" في دواء هندي لعلاج حالات البرد لدى الأطفال ويباع هذا الدواء في العراق.

هذا الكشف ليس سوى واحد من سلسلة من الاكتشافات المثيرة للقلق حول الأدوية التي يستخدمها الأطفال في جميع أنحاء العالم، وفق بلومبرغ التي قالت إن زجاجة واحدة من الدواء المسمى "كولد آوت"، وتم شراؤها من صيدلية في بغداد خلال مارس الماضي، كانت على تحتوي على 2.1٪ من مادة "غلايكول الإثيلين" بحسب نتائج فحص أجراها مختبر.

تعادل هذه النسبة نحو 21 ضعفا الحدّ المقبول من مادة "غلايكول الإثيلين"، وفق بلومبرغ التي أوضحت أن كمية صغيرة من هذه المادة قاتلة. وأدت في السابق إلى حالات وفاة جماعية لأطفال بسبب شراب سعال هندي في غامبيا وأوزبكستان العام الماضي.

"أطفالنا تناولوا السمّ"

علي الذي لم يعد يثق بالقطاع الصحي في بلاده، حمّل وزارة الصحة مسؤولية الأمر لأن مسؤولية الرقابة تقع على عاتقها.

وزارة الصحة سارعت لاحتواء غضب الرأي العام من خلال إصدار بيان أعلنت فيه أن دواء، كولد آوت، غير مسجل لديها، وأنه سبق لها الإشارة إلى خطورته. من جهته، أفاد المتحدث الرسمي للوزارة، سيف البدر، أنّ أيّ تداول للدواء يعتبر مخالف للقانون وجريمة يحاسب عليها القانون العراقي.

الدواء السام دخل العراق، وفق البدر، عن طريق التهريب. وبرر موقف الوزارة على أنّ الأدوية المهربة لا توجد في العراق فحسب، بل بكل بلدان العالم.

موادّ ممنوعة منذ ربع قرن

"كولد آوت" ليس بجديد، وفق نقيب الصيادلة العراقي، مصطفى الهيتي، الذي أوضح في حديث مع بلينكس أنّ مادة "غلايكول الإثيلين" من المواد الممنوعة في العراق قبل أكثر من 25 عاما. وخلال سنة واحدة، نفذت نقابة الصيادلة 14 ألف زيارة تفتيشية على الصيدليات في بغداد فقط، وتشدد النقابة العقوبات على المخالفين، مثل غلق الصيدلية لثلاثة أيام إلى أسبوع، أو شهر أو حتى 90 يوما، حسب نوع المخالفة.

وأضاف: "نحن بحاجة إلى تعاون بين حكومة إقليم كردستان العراق وحكومة المركز في شأن إدخال الأدوية والسيطرة عليها واعتبار المنفذ الحدودي في كردستان منفذاً رسمياً، وأن تنسق الأخيرة مع بغداد في عملية فحص الدواء، فحتى الآن لا تعترف وزارة الصحة العراقية بفحص لجان كردستان لبعض الأدوية".

آثار فادحة

استخدام هذه المادة بكميات سمية تركت آثارا فادحة في دول أخرى من العالم، وتؤكد ذلك الناطق باسم نقابة الصيادلة في العراق، صفاء الجنابي، موضحة أنه تسبب بموت أكثر من 80 طفل حول العالم لاستخدامه بكميات سمية لا يسمح بها في أدوية لعلاج الأطفال. منها غامبيا وأوزبكستان، فالمادة موجودة في كولد اوت أكثر بـ21% من الحدّ الطبيعي الذي يجب أن تضاف إلى الدواء لتكون آمنة.

ينتج العراق ١١٠٠ نوع من الدواء، أغلبها "نمطية"، مثلما وصفها نقيب الصيادلة، مصطفى الهيتي، في حديثه مع بلينكس بينما يفتقر إلى أنواع مهمة لعلاج الأمراض المزمنة، مما يضطره إلى إنفاق ٣ مليارات دولار سنويا لاستيراد الأدوية، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

وتدخل آلاف الأطنان من الأدوية سنويا عبر المنافذ الحدودية من دون رقابة أو فحص، ويرجع عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية باسم الغرابي، أسباب دخول الأدوية المهربة إلى "سوء التنظيم ووجود ثغرات في عملية الاستيراد من قبل وزارة الصحة العراقية، واستغلالها من قبل متنفذين.

الحل في التسعير

الحلّ يكمن في الإرادة الحقيقية لتفعيل التسعيرة الدوائية الموحدة وتطبيق قانون الضمان الصحي كمرحلة أولى حتى تكون الأدوية تحت سيطرة الجهات المخولة من الدولة، وإن "طُبّق ذلك فيمكن السيطرة على 70٪ من تهريب الأدوية"، بحسب تصريحات الغرابي.

لجنة الصحة والبيئة النيابية أفادت سابقا، أن 70‌% من الأدوية في الأسواق غير مسجلة ومهربة، مبينة أن الحكومة تعاقدت مع مصانع لإنتاج العلاجات بمبلغ 70 مليار دينار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مطالبة باستحداث مختبرات جديدة للفحص وعدم الاقتصار على ما موجود حاليا.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة